كانط والدولة المتنورة: بين حرية الفرد وأخلاقية القانون “ج.2”
تحرير: خديجة منصور
تميزت فلسفة إيمانويل كانط بنقدها الصريح للعقل الخالص، وذلك بالاستعانة بالتجربة كي يتمكن العقل من الفصل بين إمكان قيام الميتافيزيقا أو استحالة قيامها، مع التركيز على تحديد أصل هذا العلم ومداه وحدوده استنادًا إلى مبادئ عقلية واضحة. إن أحد أبرز إسهامات كانط هو محاولته تحرير الإنسان من التصورات الدينية، ودفعه للتفكير في حياته واهتماماته اعتمادًا على عقله، ومن خلال شعوره بالحرية الكافية لتحديد مصيره مع السعي إلى إيجاد الشجاعة اللازمة للتخطيط لمستقبله.
يعتبر كانط أن استعمال العقل هو الوسيلة الوحيدة التي تُمكن الإنسان من كسر قيود التبعية، وهو عقل التنوير الذي يسمح “بخروج الإنسان من حالة قصوره، التي يُعدّ الإنسان نفسه مسؤولًا عنها،وأعني بالقصور عجز الإنسان عن استخدام فهمه دون توجيه الآخرين.” يستند كانط إلى النقد والمساءلة المستمرة لكل شيء، بما في ذلك العقل نفسه ليؤسس بذلك حقبة جديدة في الفكر الفلسفي: العقلانية.
آمن كانط بقدرات العقل البشري إلى حد اعتباره القاعدة الأساسية لبناء مشروعه حول “الدولة الكونية” أو “دولة السلام”، ويرى كانط أن النظام القائم في الطبيعة والكون ما هو إلا تعبير عن النظام العقلي المقيد بالواجب الذي يلزم الفرد بالتصرف تجاه الآخرين وفق مجموعة من القواعد الأخلاقية، والتي تتلخص في:
1. “اعمل كما لو أن القاعدة المنظمة لعملك يمكن أن تصبح قانونًا كونيًا.”
2. “اعمل بالطريقة التي تُمكّنك من معاملة الإنسانية في ذاتك وفي الآخرين لا كوسيلة فحسب بل كغاية في ذاتها.”
3. “اعمل كما لو كنت بالنسبة لأهداف أفعالك فاعلًا ومُشرعًا في الوقت نفسه.”
من هنا تحدد هذه المبادئ الاكتفاء الذاتي الجماعي، والعالمي وفقًا لكانط حيث أراد كانط جعل الفرد مشرّعًا قادرًا على تحديد سلوكه اعتمادًا على العقل المستقل عن أهواء العالم المحسوس لتحقيق الواجب الأخلاقي.
ويؤكد كانط على ضرورة تمتع الإنسان بالحرية الكاملة وألا تكون هناك سلطة خارجية أو إكراه يلزم الفرد على فعل شيء أو تركه، بل يجب ترك الإنسان يختار فعل الخير طوعًا. لذلك يرفض كانط الأفعال التي تُفرض عليه، قائلاً: “إذا أردنا الوصول إلى مبادئ عامة للسلوك، فلن نجدها في الأهداف أو الأسباب الخارجية، بل ينبغي البحث عنها داخلنا، وذلك لبلوغ ما يسميه كانط بالقانون الأخلاقي، الذي يحكمه الإرادة الخيّرة والحرية التامة.”
يقول كانط: “إن الجمهورية الفاضلة لن تحتاج إلى العقل المدني أو إلى سلطة خارجية ما دامت النية الداخلية في كل فرد قادرة على التحول الذاتي، بحيث تصبح قانونًا عامًا، وما دام كل فرد قادرًا على احترام القانون العام بحرية ذاتية”. ويعني بذلك أن الإنسان يستطيع العودة إلى الذات كمصدر للتشريع. ويرى كانط أن الإنسان بفضل ذكائه وقدرته على فهم وتطبيق القانون المدني بحرية، يستطيع أن يكون مواطنًا في دولة جمهورية تهتم بتنظيم العلاقات بين الأفراد وفق دستور جمهوري. فيقول: “يجب أن يكون دستور الدولة في كل دولة مبنيًّا على مبدأ الحرية ومبدأ تبعية الجميع لتشريع واحد مشترك، على أن يُخاطب الجميع بهذا التشريع القائم على المساواة بين المخاطَبين باعتبارهم مواطنين.”
هنا، لا تدّعي الدولة حق تحديد الفضيلة والخير، فلا تكون وسيلة لهدم الحرية، وبالتالي يتجنب كانط الوقوع في النظرة الاستبدادية التي لا تحقق السلام الدائم.
يرى كانط أن مشروعه للسلام الدائم يتحقق عبر خضوع السياسة للأخلاق، لأنها الهدف الأسمى للإنسان، فتحقيق السلام الأبدي لم يعد خيارًا ماديًا فحسب، بل أصبح شرطًا يستند إلى تقديس الواجب الأخلاقي على ضمائر أولئك الذين يسعون إلى ضبط العلاقات المتبادلة بين الأمم ووفقًا لكانط، تشبه هذه العلاقات بين الأمم العلاقات بين المواطنين، إذ إنها تتسم بصراع دائم، حيث يكون التهديد قائمًا باستمرار، ولتفادي هذا الصراع وتحقيق سلام دائم، ينبغي على كل أمة أو دولة أن تدخل مع الدول الأخرى في شراكة، إذ “ينبغي أن تقوم الشعوب على أساس نظام اتحادي بين دول حرة… ويجب أن يطلب كل شعب من الشعوب الأخرى أن تشاركه في نظام شبيه بالدستور المدني الذي يرى فيه كل طرف ضمانًا لحقوقه.”
كما يتطلب ذلك تشكيل دستور قانوني يضمن حق التمتع بالسلام لكل إنسان والانتماء إلى العالم بوصفه “مواطنًا عالميًا”. يرتكز هذا الدستور على:
1. القانون المدني: الذي ينظم الناس في شعب معين.
2. قانون الشعوب: الذي ينظم العلاقات بين الدول.
3. قانون المعمورة السياسية: الذي يعامل الناس والحكومات في علاقاتهم الخارجية وتأثير بعضهم في بعض وكأنهم مواطنون في مدينة واحدة.
من غير المستبعد أن تكون الظروف التاريخية الصعبة التي مر بها كانط، سواء في بروسيا أو في أوروبا عمومًا، قد أثرت في نظرته للعقل الإنساني بوصفه المنقذ من تلك الصراعات والمنظم للعلاقات الإنسانية والدولية في ظل سلام دائم. بل يمكن القول إنها تمثل نوعًا من النبوءة الفكرية.
-
طقوس الجنازات الاحتفالية في غانا عادة أفريقية تكرم الموت بالحياة
تحرير: رضى الغزالتشتهر غانا بواحدة من أغرب وأعمق الطقوس الاجتماعية في إفريقيا، إذ تحولت مراسم تشييع الموتى إلى احتفالات شعبية... مجتمع -
أثينا توقف مؤقتا طلبات لجوء مهاجري شمال أفريقيا وسط جدل حقوقي
تحرير: عمر قادرصوت البرلمان اليوناني بأغلبية 177 صوتا مقابل 74 على مشروع قانون يقضي بتعليق معالجة طلبات اللجوء المقدمة من... شمال أفريقيا -
فرس النهر خطر كامن !
[gallery ids="10435"]فرس النهر يبدو كحيوان مسالم.. لكنه قاتل صامت، يودي بحياة المئات سنويا، ويواجه بنفسه خطر الانقراض. إنفوجرافيك -
اللغات المحلية المهددة بالانقراض في جمهورية إفريقيا الوسطى
تحرير: ماهر الرفاعيتواجه اللغات المحلية في جمهورية إفريقيا الوسطى تهديدا متزايدا بالانقراض، نتيجة لتداخل عوامل اجتماعية، سياسية، واقتصادية أثرت بشكل... ثقافة -
استراتيجية ترامب ومصالح موريتانيا
محمد زاويربما تَفاجأ البعض بالدعوة التي وجهها دونالد ترامب لموريتانيا، رفقة أربع دول إفريقية أخرى هي غينيا بيساو وليبيريا والغابون... إقتصاد -
الاتحاد الأوروبي يدرج الجزائر في القائمة السوداء لمخاطر تمويل الإرهاب وتبييض الأموال
تحرير: رضى الغزالأدرج الاتحاد الأوروبي الجزائر رسميا ضمن قائمة الدول عالية الخطورة في مجال تبييض الأموال وتمويل الأنشطة الإرهابية، استنادا... مكافحة التطرف والإرهاب