توماس هوبز: من الحالة الطبيعية إلى بناء السلطة السياسية
تحرير: خديجة منصور
يعد توماس هوبز من أعظم المفكرين الذين ساهموا في تأسيس الفعل السياسي في الفلسفة الحديثة، حيث كانت أفكاره حجر الأساس للكثير من المفاهيم التي شكلت الفكر السياسي المعاصر، لفهم أبعاد هذا التأسيس الفكري، لابد من الوقوف على السياق الفكري الذي نشأ فيه هوبز، والذي كان يشهد مرحلة من إعادة التفكير في أسس المعرفة والسلطة، ففي الوقت الذي سعى فيه الفلاسفة إلى تجديد الأسس الفكرية، كانت الطبيعة تتبوأ مكانة مركزية في فلسفة هوبز، حيث اعتبرها مرجعية أساسية للفعل السياسي، وذلك من خلال إحداث تحول في كيفية فهم الإنسان لطبيعته وعلاقته بالسلطة.
في الفلسفة القديمة كانت الطبيعة تعتبر مرجعية لفهم النظام السياسي والاجتماعي، إذ كان الفلاسفة اليونانيون يعتمدون على مفهوم التراتبية الطبيعية بين الكائنات، بما في ذلك الإنسان، إلا أن فلاسفة الحداثة مثل هوبز وديكارت، بدأوا في تجاوز هذه التراتبية والتركيز على المساواة الطبيعية بين جميع البشر، بالنسبة لهوبز فإن الطبيعة تمنح الإنسان ملكة الروح بشكل متساوٍ، مما يعني أن البشر ليسوا مختلفين جوهريا في قدراتهم الفكرية أو الجسدية، وأكد هوبز في كتابه “التنين” (Leviathan) أن أي تمايز بين الأفراد لا يمكن أن يمنح أحدا الحق في الهيمنة على الآخر. وبالتالي، تبقى المساواة في الحقوق الطبيعية هي الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقة السياسية.
رغم أن هوبز يعتبر أن البشر متساوون في الطبيعة، إلا أن هذا لا يعني غياب الصراع بسبب تساويهم في الرغبات والأهداف، إلى التنافس على تحقيق مصالحهم الشخصية، هذا الصراع الطبيعي بين البشر هو الذي يخلق الحاجة إلى السلطة السياسية التي تضمن السلام والأمن ومن هنا، يصبح السؤال الرئيسي في فلسفة هوبز هو: كيف يمكن الخروج من هذا الصراع الطبيعي؟
يرتبط الحل في نظر هوبز بالعقد الاجتماعي الذي يوافق فيه الأفراد على التنازل عن حقوقهم الطبيعية لصالح حاكم قوي يستطيع فرض النظام وحماية الجميع، فالعقد الاجتماعي ليس مجرد اتفاق بين الأفراد على تنظيم حياتهم، بل هو أساس لشرعية السلطة، الحاكم في فلسفة هوبز لا يعتبر طرفا في هذا العقد، بل هو الذي يمثل السلطة العليا، وهي السيادة التي تأتي من الشعب وليس من خارج المجتمع. السيادة هي “روح” الجسم السياسي، وتنبع من التفاهم الجماعي الذي يحقق استقرار المجتمع ويحفظ حقوق الأفراد.
لا تقتصر فلسفة هوبز على تعريف السلطة، بل تركز على مبدأ المشروعية السياسية، فالمشروعية لا تستمد من الحاكم نفسه بل من قدرة السلطة على توفير الأمن والطمأنينة لجميع المواطنين في هذا السياق، أكد هوبز أن الحاكم لا يتقيد بعقده الاجتماعي، بل هو مستمد من الشعب، الذي يقرر تفويضه بالسلطة المطلقة لتحقيق مصلحة الجميع. السلطة في هذه الحالة هي سلطة لا تعرف القيود وهي ضرورية لضمان الأمن الداخلي والخارجي، فالحاكم يمارس سلطته في تنظيم الحقوق وتحديد القوانين التي تحفظ النظام، دون أن يكون ملزما بأي قيود قانونية، بل تقتصر مسؤوليته على تحقيق السلم الأهلي.
وفي هذا السياق تطرح فلسفة هوبز سؤالا أساسيا حول وظيفة السلطة: هل السلطة تتمثل في مجرد تأكيد الحقوق الفردية؟ أم أنها تهدف إلى ضمان الأمن الجماعي من خلال فرض النظام؟ بالنسبة لهوبز السلطة هي التي تضمن النظام الاجتماعي والسياسي وتستند إلى حماية الحقوق الأساسية، خصوصا الحق في الحياة، وهو الحق الذي يجب على الحاكم الحفاظ عليه بأي ثمن.
من خلال هذا العقد الاجتماعي، تتجسد فكرة الدولة الحديثة التي لا تستند فقط إلى إرادة الفرد بل على توافق جماعي، إن سيادة الدولة بالنسبة لهوبز ليست فقط في كونها السلطة القادرة على فرض النظام، بل في قدرتها على الحفاظ على الأمن والحياة المدنية، هذا النوع من الدولة يجب أن يكون قويا بما فيه الكفاية ليحمي المجتمع من التهديدات الداخلية والخارجية، وبالتالي يصبح الحاكم صاحب السلطة المطلقة الذي لا يتقيد إلا بمصالح الجماعة.
يمكن القول إن توماس هوبز قد وضع الأسس لفهم جديد للسياسة يقوم على ضرورة وجود سلطة قوية وموحدة، هذه السلطة تستمد مشروعيتها من العقد الاجتماعي الذي يربط بين الأفراد والمجتمع، ويظل الحاكم هو الممثل الأسمى لهذا العقد، الذي يضمن الأمن والاستقرار ويحمي الحقوق الأساسية، من خلال هذه الرؤية، يمكننا أن نفهم كيف أسس هوبز للفكر السياسي الحديث، وجعل من السيادة والسلطة المطلقة مفهومين أساسيين لضمان استمرار المجتمع وحمايته من الفوضى والصراع الطبيعي.
-
موريتانيا وسويسرا تستعرضان سبل تعزيز التعاون الثنائي
تحرير : صفاء فتحي استقبل وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والموريتانيين في الخارج، محمد سالم ولد مرزوك، سفير الاتحاد السويسري لدى... التعاون الاقليمي والدولي -
أمريكا تدرس ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ومخاوف من تداعيات خطيرة
تحرير: رضى الغزال كشفت مصادر أمريكية عن نية الإدارة الأمريكية ترحيل مهاجرين إلى ليبيا قريبا، في إطار حملة تشديد على الهجرة... تحليل جيوسياسي -
مانشستر سيتي وتوتنهام في صراع محموم على الدولي الجزائري
تحرير: رضى الغزال أثار بيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي ضجة جديدة في سوق الانتقالات بعد توجيه أنظاره نحو ريان آيت نوري،... رياضة -
المغرب يعزز موقعه كشريك إفريقي أول لموريتانيا في التبادل التجاري خلال مطلع 2025
تحرير: رضى الغزال أظهرت بيانات حديثة صادرة عن الوكالة الوطنية للإحصاء والتحليل الديموغرافي والاقتصادي في موريتانيا أن المملكة المغربية استحوذت على... التعاون الاقليمي والدولي -
السيسي يفتتح بطولة العالم العسكرية للفروسية في نسختها الـ25 بالعاصمة الإدارية الجديدة
تحرير: وداد وهبي شهد الرئيس عبد الفتاح السيسي مساء أمس الإثنين انطلاق فعاليات النسخة الخامسة والعشرين من بطولة العالم العسكرية للفروسية،... رياضة -
الزمالك يضم المغربي البركاوي ويُجهز لصفقة الجزائري بوزوق من الرائد السعودي
تحرير: رضى الغزال يبدو أن مغامرة الثنائي المغاربي كريم البركاوي ويوسري بوزوق في الدوري السعودي تتجه نحو نهايتها، بعد موسم كارثي... رياضة