إيران في إفريقيا: من التوسع الثقافي إلى النفوذ العسكري

تحرير : أفريكا أي

منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 بقيادة الخميني، وضعت إيران استراتيجية متكاملة تقوم على نشر الفكر وتوسيع النفوذ العسكري تحت مسمى “تصدير الثورة”. استغلت طهران في تنفيذ هذا المشروع انشغال معظم الدول العربية بأزماتها الداخلية وغياب أي مشروع عربي أو إسلامي منظَّم لمواجهة هذا التمدد.
اتخذ النشاط الإيراني في إفريقيا شكلًا ناعمًا في بدايته من خلال الأنشطة الثقافية والتعليمية والاجتماعية، التي سرعان ما تطورت إلى نفوذ سياسي وعسكري ملموس. في نيجيريا، بدأت الأنشطة الإيرانية منذ عام 2006 على شكل فعاليات ثقافية محدودة، لتصبح خلال فترة قصيرة سيطرة واضحة للتيار الشيعي على منابر دينية في أربع ولايات كبيرة، تضم أكثر من 25 مليون نسمة، وتحولت نيجيريا بذلك إلى مركز رئيسي لتصدير هذا النموذج إلى دول الجوار.
كذلك في السنغال، كانت بداية النشاط الشيعي قبل الثورة الإيرانية بعشر سنوات بقيادة ناشطين بارزين مثل عبد المنعم الزين. وفي كينيا، نجحت إيران في إنشاء جامعة وعدة مراكز تعليمية شيعية منذ عام 1999 بالتعاون الرسمي مع السلطات الكينية.
وامتد هذا النشاط ليشمل دولًا مثل جزر القمر وتنزانيا وغامبيا والسودان وبنين وسيراليون والكاميرون وساحل العاج ومالي والنيجر، من خلال تأسيس حوزات ومعاهد ومراكز ثقافية كبيرة. ويُعتبر مجمع الزهراء في ساحل العاج من أبرز هذه المراكز وأكبرها في غرب إفريقيا، ويمثل نقطة انطلاق لتصدير المشروع الإيراني إلى دول المنطقة الأخرى.
تشير التجارب التاريخية إلى أن هذه المشروعات الثقافية والتعليمية ليست سوى مرحلة أولية تمهّد لتأسيس ميليشيات محلية تعمل على تحقيق أهداف إيران السياسية والاستراتيجية. ويُشكل هذا التوجه تحديًا أمنيًا متزايدًا ليس فقط للدول الإفريقية المستهدفة، بل وللدول العربية التي تعتبر أمن القارة الإفريقية جزءًا من أمنها القومي.
تظل هذه التحركات الإيرانية مستمرة وسط حالة من التراخي العربي والإسلامي السُنّي، ما يجعل التوسع الإيراني يتحرك بقوة نحو تحويل النفوذ الثقافي والاجتماعي إلى سيطرة سياسية وعسكرية متزايدة في مناطق حيوية من القارة الإفريقية.