الذهب في غرب إفريقيا: كنزٌ وفير أم استغلال مُفرط؟

تحرير: وداد وهبي

تُعتبر منطقة غرب إفريقيا من أغنى المناطق المعدنية في العالم، حيث تزخر أرضها بمعادن متنوعة مثل الذهب، والبوكسيت، والمنجنيز، والحديد، والفوسفات. ورغم هذه الوفرة، يظل الذهب الأكثر جذبًا للاستثمارات الدولية والأكثر تداولًا إعلاميًا، ما يطرح تساؤلًا جوهريًا: هل الذهب هو الأكثر وفرة حقًا أم أنه مجرد الأكثر استغلالًا؟
الواقع الجيولوجي يكشف أنّ الذهب ليس المعدن الأكثر وفرة في المنطقة، مقارنةً بالبوكسيت الذي تملك غينيا أكبر احتياطياته عالميًا (7.4 مليار طن)، أو الحديد الذي تحتضن موريتانيا احتياطات هائلة منه، أو الفوسفات الذي تتميز به السنغال. لكن الذهب، مع ذلك، يتفوق من ناحية الاستغلال، وذلك لسهولة تسويقه وتحويله إلى سيولة نقدية بسرعة، ما يجعله ملاذًا آمنًا للمستثمرين في فترات الاضطرابات الاقتصادية.
تاريخيًا، ارتبطت اقتصادات المنطقة بالذهب، بدءًا من إمبراطورية غانا القديمة وحتى العصر الحديث في دول مثل مالي وغانا وبوركينا فاسو، التي تسهم بما يقارب 10.8% من الإنتاج العالمي. ونتيجة لذلك، امتلك قطاع الذهب بنية تحتية استكشافية وتعدينية متطورة، مقابل ضعف استثمارات البنية التحتية اللازمة لاستغلال المعادن الأخرى، رغم وفرتها الكبيرة.
لكن هذا الاعتماد المفرط على الذهب يأتي بتحديات حقيقية، أبرزها انتشار التعدين غير القانوني، حيث يُقدَّر تهريب نحو 30% من الإنتاج السنوي في بعض الدول، ما يُفقد الحكومات موارد مهمة، إضافة إلى الاستغلال البيئي والاجتماعي الناتج عن التعدين اليدوي غير المنظم.
كذلك، يشكل عدم الاستقرار السياسي عائقًا أمام الاستثمارات الأجنبية، خاصة مع تصاعد مطالب حكومات جديدة بإعادة التفاوض على عقود التعدين. هذه المخاطر تؤثر سلبًا على جاذبية المنطقة الاستثمارية.
ورغم هذه التحديات، تظل هناك فرص حقيقية لتعظيم مكاسب قطاع الذهب. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبني سياسات تنظيمية شفافة، وتأسيس صناديق سيادية تُوجّه عائدات الذهب نحو تطوير البنى التحتية وتنمية قطاعات اقتصادية أخرى. كما يُعدّ تعزيز الاستثمار في المعادن الأخرى كالفوسفات والبوكسيت، وتحفيز التصنيع المحلي، خيارًا إستراتيجيًا لتنويع الاقتصاد وتقليل المخاطر المرتبطة بتقلبات أسعار الذهب.
في النهاية، لا يكفي أن تمتلك غرب إفريقيا ذهبًا وفيرًا؛ بل الأهم هو كيفية إدارة هذا المورد بحكمة، لضمان استقلال اقتصادي طويل الأمد، عبر تحقيق التوازن والاستثمار المتنوع في جميع مواردها المعدنية.