بين الأمن الغذائي والأمن القومي: كيف تُؤثّر الشَّراكات الفلاحية في استقرار غرب إفريقيا؟

بقلم : د. عبد الرحمان كامل،

باحث في الدراسات السياسية والأمنية

يُعدُّ الأمن الغذائي أحد الركائز الأساسية لتحقيق الأمن القومي للدول، إذ يُعتبر تأمين الإمدادات الغذائية عاملًا أساسيًا في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. فكلما نجحت الدول في الوصول إلى اكتفائها الذاتي وتقليل اعتمادها على الخارج، ازدادت قدرتها على إدارة الأزمات بشكل فعّال، وتقليل مخاطر ظهور اضطرابات داخلية. وفي هذا السّياق تلعب الشراكات الفلاحية دورًا استراتيجيًا في تعزيز الاستقرار، لاسيّما في المناطق التي تُعاني من تحدّيات مناخية وأزمات غذائية مثل منطقة غرب افريقيا، حيث أظهر أحدث تقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي في ديسمبر 2024 أنّ منطقة غرب القارة تواجه أزمة غذائية حادّة، إذ أنّ 52.7 مليون شخص سوف يُعانون من الجوع الحادّ خلال الفترة ما بين يونيو وغشت 2025([1]). ومن هذا المنطلق، تبرز أهمّية الشّراكات الفلاحية التي تقودها بعض الدول في غرب افريقيا كعامل مُؤثّر في تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

وفي مواجهة هذه التحدّيات، تمّ توقيع اتفاق ثلاثي الأطراف مع جمهورية مالي بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي الأول حول التعاون جنوب-جنوب في المجال الفلاحي والأمن الغذائي، بهدف تعزيز تبادل التجارب والخبرات في المجال الفلاحي والأمن الغذائي، وتطوير التقنيات المتخصّصة لزيادة الإنتاجية، وبِمُوجبه تمّ تقديم الدعم لوزارة الفلاحة المالية في مجالات التنمية الفلاحية وتحسين الأمن الغذائي ومحاربة الفقر الذي سجّل حسب إحصائيات عام 2021 نسبة مرتفعة بلغت (44.6%)([2]).

وتُعاني جمهورية مالي من عدّة تحدّيات أمنية واقتصادية نتيجةً لاضطرابات داخلية ونزاعات مسلّحة، وهو ما أثر سلبًا على استقرارها الاجتماعي والاقتصادي، وفي ظل هذا الواقع، فإنّ تعزيز إنتاجية القطاع الفلاحي يُعتبر أداةً فعّالة لتحسين الأوضاع المعيشية وتوفير فرص العمل، وهو ما بإمكانه المساهمة في تخفيض نسب الفقر وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، ممّا يُسهم في الحدّ من النزاعات المسلحة والتطرُّف الديني والهجرة غير الشرعية.

بالإضافة إلى الشراكة الثلاثية مع مالي ومنظمة الفاو؛ تسعى بعض الدول الرائدة في المجال الفلاحي إلى تعزيز التعاون مع دول إفريقية أخرى، وفي هذا السّياق وقعت إحدى المؤسّسات المتخصّصة في توفير الأسمدة للقطاع الفلاحي بتاريخ ديسمبر 2024 بروتوكول اتفاق مع وزارة الزراعة والثروة الحيوانية في جمهورية النيجر، بهدف تحويل سلاسل القيمة الفلاحية، كما هدفت هذه الشراكة إلى توفير الأدوات والمعارف للفلاحين في النيجر لزيادة إنتاجيتهم بشكل مُستدام وضمان سُبُل عيشهم، خصوصًا وأنّ النيجر تعاني من الفقر حيث بلغ معدّله (48.9%)([3])، بالإضافة إلى ذلك، تُعاني نسبة كبيرة من السكان من انعدام الأمن الغذائي، كما تؤثر التغيُّرات المناخية على الإنتاج الفلاحي، وهو ما بإمكانه أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وعدم استقرار سياسي، ومن شأن هذه الشّراكات الفلاحية أن تُسهم في مواجهة مختلف التحدّيات الأمنية المذكورة.

وفي الختام، تبرز الشراكات الفلاحية الإقليمية كأداة فعّالة لتعزيز الأمن الغذائي والاستقرار الإقليمي في غرب إفريقيا، فالدعم التقني والاستثمارات الفلاحية إلى جانب نقل المعرفة والتكنولوجيا، يُمكن أن يُسهم في تحسين إنتاجية القطاع الفلاحي وتقليل معدّلات الفقر وتعزيز التنمية المستدامة في المنطقة. ومع استمرار هذه الجهود، يُمكن أن تتحوّل هذه الشراكات إلى ركيزة أساسية في استراتيجيات تحقيق الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي في القارة الإفريقية بشكل عام.

 

([1]) تقرير برنامج الأغذية العالمي، 7 مارس 2025، (تاريخ الدخول: 16-3-2025)، https://2u.pw/EU7ZGibE

([2]) المؤشر العددي للفقر  عند خط الفقر الوطني (% من السكان)، مجموعة البنك الدولي، (تاريخ الدخول: 16-3-2025)، https://2h.ae/LiUN

([3]) الصندوق الدولي للتنمية الزراعية(IFAD)، (تاريخ الدخول: 16-3-2025)، https://2h.ae/guRm

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض