رواندا: من رماد المأساة إلى قاطرة التنمية في إفريقيا

تحرير : صفاء فتحي

تُعد رواندا اليوم  من أبرز النماذج الملهمة في القارة الإفريقية، بعد أن تمكنت من تجاوز ماضٍ دموي ترك جراحًا عميقة في وجدان شعبها. ففي عام 1994، شهدت البلاد واحدة من أبشع المآسي الإنسانية في القرن العشرين، عندما أودت الإبادة الجماعية بحياة نحو مليون شخص خلال أقل من مئة يوم. إلا أن المدهش حقًا ليس فقط حجم الفاجعة، بل قدرة هذا البلد الصغير على النهوض من تحت الركام، وإعادة تشكيل ذاته ليصبح أحد أسرع الاقتصادات نموًا في إفريقيا وأكثرها ديناميكية.

يقف وراء هذا التحول الجذري شخصية الرئيس بول كاغامي، الذي تولى قيادة البلاد منذ عام 2000، وكرّس جهوده لإعادة بناء الثقة بين أبناء الشعب الرواندي، وترسيخ قيم المصالحة والتعايش. ورغم التحديات الهائلة، تمكّن من تحويل الدولة إلى مساحة للاستقرار والتماسك الوطني، عبر رؤية سياسية قائمة على الوحدة والمستقبل المشترك.

لكن إنجازات رواندا لم تتوقف عند المصالحة المجتمعية، بل امتدت إلى إحداث تحولات هيكلية في الاقتصاد الوطني، مع اعتماد سياسات مبتكرة شجعت على الاستثمار وريادة الأعمال. وقد ساهمت هذه السياسات في مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحويل رواندا إلى بيئة واعدة للأعمال. كما تم ضخ استثمارات استراتيجية في البنية التحتية، من الطرق والمطارات إلى الرقمنة، لتصبح البلاد مركزًا إقليميًا للتكنولوجيا والابتكار.

هذا التوجه التكنولوجي شمل دعمًا حكوميًا واضحًا للمبادرات الرقمية والمقاولين الشباب، ما ساهم في ترسيخ صورة رواندا كدولة تتبنى المستقبل الرقمي وتنافس بقوة على مستوى القارة. وبفضل بيئتها الجاذبة ومواردها الطبيعية المتنوعة، ازدهر قطاع السياحة كذلك، لا سيما في مجال الحياة البرية، حيث أصبحت رواندا وجهة مفضلة لعشاق الطبيعة ومراقبة الغوريلا الجبلية التي تحوّلت إلى رمز وطني عالمي.

ما يميز التجربة الرواندية هو أنها لم تُبْنَ على الموارد الطبيعية أو المصادفات، بل على الإرادة السياسية والرؤية بعيدة المدى. رواندا تقدم للعالم اليوم مثالًا حيًا على أن الشعوب قادرة على تحويل جراحها إلى طاقة بنّاءة، وعلى أن التنمية الحقيقية تبدأ من الإنسان، وتنطلق بإصرار نحو المستقبل، مهما كانت بداياتها مأساوية.