الشيعة في تونس: بين النشاط المدني وامتدادات النفوذ الإيراني
تحرير: أفريكا أي
منذ الثورة التونسية سنة 2011، دخلت البلاد مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي والتعددية الفكرية والدينية، وهو ما فتح الباب واسعًا أمام بروز أصوات ومذاهب كانت مهمّشة أو مغيّبة لعقود. ومن أبرز هذه الظواهر، تنامي النشاط الشيعي في تونس، الذي انتقل تدريجيًا من حالة التديّن الفردي إلى العمل الجمعوي المنظم، وسط تساؤلات متزايدة حول ارتباطه بمشاريع خارجية، وتحديدًا بالنفوذ الإيراني في المنطقة.
رغم أن تونس ظلت، تاريخيًا، تحت مظلة المذهب المالكي السني، إلا أن التشيّع لم يكن غائبًا بالكامل عن فضائها الديني. فقد شهدت البلاد، منذ سبعينيات القرن الماضي، حالات فردية لتبني الفكر الشيعي، خاصة في أوساط بعض النخب المثقفة أو المتأثرة بالثورة الإيرانية عام 1979. غير أن هذا الحضور ظل محدودًا وهامشيًا في ظل الأنظمة السياسية المتعاقبة، لا سيما خلال فترة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي التي تميزت بالرقابة الصارمة على النشاط الديني.
التشيع في تونس: من السرية إلى العمل المدني
مع سقوط نظام بن علي، شهدت البلاد انفراجًا غير مسبوق في الحريات العامة، بما في ذلك حرية المعتقد والتعبير الديني. واستغل بعض المتشيعين هذا المناخ الديمقراطي لتأسيس جمعيات مدنية وخيرية، تنشط غالبًا في المجال الثقافي أو الخيري، لكنها تحمل في طياتها أبعادًا مذهبية، سواء من حيث الطقوس أو الخطاب.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد المتشيعين في تونس قد يتراوح بين 8,000 و12,000 شخص، يتمركز معظمهم في محافظات تونس العاصمة، صفاقس، سوسة، وقفصة. كما تم تسجيل عدد من الجمعيات التي تُعنى “بالحوار المذهبي” أو “الأنشطة الخيرية”، لكنها عمليًا تُستخدم منصات للترويج للفكر الشيعي الجعفري، لا سيما في المناسبات الدينية الكبرى كـ”عاشوراء” أو “الأربعين”.
الدعم الإيراني: بين البعد الدعوي والمشروع السياسي
ترتبط هذه الجمعيات، حسب تقارير ميدانية وتحقيقات إعلامية، بشبكات دعم خارجي، أبرزها إيران، التي اعتمدت لعقود على العمل الخيري والثقافي كأداة لنشر المذهب الشيعي في مناطق سنية. ويُعتقد أن طهران تقدم دعمًا ماليًا ولوجستيًا لشخصيات ومؤسسات تونسية شيعية، في إطار ما يطلق عليه “تصدير الثورة”، وهو مفهوم مركزي في السياسة الخارجية الإيرانية منذ 1979.
ومن بين الأسماء التي أثارت الجدل داخل الساحة التونسية نجد محمد التيجاني السماوي، مؤلف كتاب ثم اهتديت، الذي أصبح من أبرز الوجوه الدعوية الشيعية في تونس ومحمد الرصافي ومبارك بغدادي وعماد الدين الحمروني، الذين وُجهت إليهم اتهامات ضمنية بلعب أدوار مزدوجة بين النشاط الفكري والتأثير السياسي. ومؤخرا، برز اسم أحمد سلمان الحربي، رئيس جمعية آل البيت الشيعية كأحد الرموز الشيعية في تونس.
في هذا السياق، لا يمكن إغفال ما يُثار من حين لآخر حول علاقات دبلوماسية غير معلنة بين تونس وطهران، خصوصًا بعد تصريحات أو زيارات رسمية لوفود إيرانية إلى تونس. ورغم غياب الأدلة المؤكدة حول دعم سياسي مباشر من الدولة التونسية لهذا التوجه، إلا أن صمت السلطات أو حيادها في التعامل مع النشاط الشيعي يُقرأ أحيانًا كنوع من التساهل أو حتى التشجيع غير المعلن.
هل يشكل التشيع خطرًا على التوازن الديني في تونس؟
الحديث عن “اختراق مذهبي” يطرح إشكالية دقيقة تتعلق بالتوازن بين حرية المعتقد من جهة، والحفاظ على المرجعية الدينية الوطنية من جهة أخرى. فالدستور التونسي يقرّ بحرية الضمير ويمنع التمييز الديني، لكن هشاشة المؤسسات الدينية التقليدية، كجامع الزيتونة، وصمتها إزاء هذا الحراك، يتركان فراغًا قد يُستغل من قبل جهات خارجية.
من جهة أخرى، يُنظر إلى العمل الشيعي في تونس على أنه ليس مجرد مشروع ديني، بل جزء من شبكة نفوذ إيراني في المنطقة، تمتد من العراق ولبنان إلى شمال إفريقيا. وهنا يصبح التمدد المذهبي حاملاً لبُعد جيوسياسي لا يمكن تجاهله، خاصة في ظل التوترات الإقليمية والصراع السني-الشيعي الذي يغذي النزاعات في عدة دول عربية.
ويبقى تحديث الخطاب الديني الوطني، وتجديد دور مؤسسات مثل جامع الزيتونة، أمرًا ضروريًا لتحصين الهوية الثقافية والدينية التونسية، دون التفريط في مكتسبات الحريات الفردية.
-
الريغي… موروث ثقيل على كاهل ساحل العاج
بقلم: عمر يانكيني ، جامعة افريقيا الإسلامية ؛ ابيدجان كوت ديفواراستفاق العالم صباح الحادي عشر من ماي عام 1981 على... رأي -
كرة القدم والسياسة في إفريقيا: سؤال التفاعل وحدود التداخل
بقلم: صفاء فتحيارتبطت كرة القدم في إفريقيا، منذ عقود، بتحولات اجتماعية وثقافية جعلت منها أكثر من مجرد رياضة تنافسية. وبفعل... رأي -
المسرح الإفريقي: من الطقس الجماعي إلى أداة مقاومة وتحول ثقافي
بقلم: صفاء فتحيانبثق المسرح الإفريقي من رحم الممارسات الطقوسية والتعبيرات الجسدية الجماعية التي ميزت المجتمعات القديمة في القارة، حيث تجلت... رأي -
نيجيريا تتحدى واشنطن: رفض لترحيل المهاجرين ومطالبة بعلاقات أكثر ندية
تحرير: وداد وهبي في موقف لافت يعكس تحولا في علاقات إفريقيا مع القوى الغربية، أعلنت نيجيريا رفضها الصريح لمحاولات الولايات المتحدة... رأي -
إريتريا: التوازن بين العزلة الإقليمية والدور الجيوسياسي في القرن الأفريقي
بقلم: صفاء فتحيتعتمد إريتريا نهجا خارجيا قائما على الابتعاد عن الانخراط في التحالفات الإقليمية التقليدية، ما منحها هامشا أوسع للحفاظ... رأي -
صراع الأجيال في إفريقيا: بين عبق التقاليد ورياح التغيير
تحرير: رضى الغزال في قلب العواصم الإفريقية الكبرى، وبين الأزقة الضيقة للمدن الصغيرة، ينبض المجتمع بحياة مزدوجة؛ ففي الوقت الذي تحتفظ... رأي