ظاهرة التنمر الإلكتروني وأثرها السوسيو-تربوي على المتلقي في الفضاء الافتراضي
تحرير: ابراهيم الوثيقي
شهد المجتمع المعاصر في نهاية القرن العشرين تطورات سريعة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومن بين هذه المجالات البالغة الأثر التغير في ميدان الإعلام والاتصال، نظرًا لتعدد الوسائط الإلكترونية وتطورها ومدى تأثيرها في عملية التواصل والاتصال في نقل المعرفة والمعلومات بين الأفراد والمجتمعات.
وبفعل هذا التطور التكنولوجي الملحوظ خلال السنوات الأخيرة، أصبح العالم وكأنه قرية صغيرة من حيث السرعة في نقل المعلومة والصورة بين أفراد مختلف البلدان التي تحدها فوارق ثقافية ومجالية شاسعة. ومع التأثير المتزايد بفعل وسائل الاتصال ووفرة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، أصبحت حرية التعبير مقيدة نتيجة بعض المضايقات الناتجة عن سوء استخدام هذه الوسائل بين بعض الفئات المجتمعية والأفراد. [علي عبد الفتاح: الصحافة الإلكترونية في ظل الثورة التكنولوجية، ص 5.6.7، ط 2014. بتصرف]
انتشرت ظاهرة التنمر الإلكتروني مؤخرًا بشكل متزايد، وهذا يرجع إلى استخدام شبكة الإنترنت بشكل مفرط. المشكل ليس في الأساس في استخدام الوسائط الإلكترونية بحدتها، بل تكمن الخطورة في الاستخدام السلبي والحاد لهذه التقنيات الحديثة، حيث تتحول هذه الوسائل عند سوء استخدامها إلى أداة لإلحاق الأذى بالآخرين، سواء كانوا أفرادًا أو جماعات بشرية أو فئات مختلفة جنسيا وعرقيًا أو لغويًا، بل وثقافة تختلف من مجتمع لآخر. وتزداد الخطورة أكثر عندما يتحول التنمر الإلكتروني إلى عنف رمزي أو معنوي، وفي بعض الأحيان يخرج النطاق عن ذلك إلى عنف جسدي على أرض الواقع. إذن، ما هو التنمر الإلكتروني وما هي تداعيات انتشاره داخل الوسائط الإلكترونية؟
التنمر الإلكتروني ظاهرة مرضية في المجتمعات، غربية كانت أو عربية، ويرجع بالأساس إلى انخفاض درجة الوعي المجتمعي للأفراد. التنمر هو التسلط والتهكم والاستبداد من قبل شخص أو عدة أشخاص موجه إلى فرد أو فئة أو جماعة معينة، ويعبر عن إيذاء الآخرين سواء كان هذا الإيذاء أو العنف جسديًا أو نفسيًا أو لفظيًا أو عائليًا داخل الوسائط الإلكترونية.
التنمر لغويًا “Bullying” من اللفظ “نَمِرَ” بمعنى غضب وساء خلقه وأصبح يشبه النمر الغاضب. ويتضمن التنمر السب والإيذاء والتهديد، سواء بالأذى البدني أو الجسمي بالسلاح أو الابتزاز أو مخالفة الحقوق المدنية للأفراد أو الاعتداء والعمل ضمن عصابات ومحاولة القتل والتهديد، وزيادة على ذلك التحرش الجنسي.
وتعرفه “Coloroso” بأنه نشاط إداري واعٍ يقصد به الإيذاء والسب والرعب من خلال التهديد والاعتداء. [د. لامية طالة، ص 573، بتصرف]
كانت العولمة في مهدها تعني لقاء الحضارات وتواصل الثقافات والحوار الواعي بين الشعوب؛ كان الهدف من العولمة أن يستفيد البشر من إنجازات العلم والتكنولوجيا وأن تكون المعرفة حقًا للجميع وطريقًا لبناء إنسان أفضل في استمتاعه بحقوقه وحريته وأمنه واستقراره. وكانت تشير إلى التفاعل مع الآخر بشكل إيجابي، وهي تضع حدًا لمفاهيم العزلة والصراع بحيث تفتح الشعوب عقولها وعيونها للحضارة الإنسانية الواعدة بالرخاء والاستقرار والأمل. [الدكتور راضي عبد المجيد طه “تربية الطفل وثقافته في ضوء التغيرات المعاصرة، ص89. بتصرف]
آليات إبعاد الأطفال عن ظاهرة التنمر الإلكتروني
إن استخدام الحاسوب ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ليس من السهل بما كان، كما أن حرص الكبار على تربية الأطفال يحتاج إلى دورات ودروس في طرق واستراتيجيات بل وأساليب التحكم الصحيح في مسار الحوار الافتراضي مع الآخرين. ثم وضع وقت محدد للناشئة لاستخدام تقنيات وتطبيقات وسائل التواصل الحديثة المعاصرة مع توجيه مسار بحثهم الإلكتروني وفق برامج ومواقع منتقاة بعناية لتلازم سنهم وميولاتهم العاطفية والمعرفية واحتياجاتهم الحسية والحركية التي تلائم قدراتهم ومهاراتهم المطلوبة وفق قيم المجتمع وضوابطه الأخلاقية والقانونية، والسعي وراء بناء أجيال تتملك الحس النقدي البناء والقدرة على التفاعل والانخراط الإيجابي داخل مسار التنمية المنشودة ضمن مخططات أي مجتمع ينتمي إليه الطفل وأهداف تعليمية تربوية تؤطرها.
وزيادة على ذلك، تكثيف الدورات التكوينية المستمرة في شقها النظري والتطبيقي للأطفال بمختلف فئاتهم العمرية في مجال التواصل وفن الخطابة والحوار باللغات المتاحة لدرء كل أشكال وتجليات التنمر الإلكتروني السلبية التي تحد من إبداع المتعلمين ومدى انخراطهم في مؤسسات المجتمع.
يجب تضافر الجهود بين مختلف مؤسسات الدولة لبناء منظومة من القيم والمبادئ الإيجابية، تمكّن الأطفال في المستقبل من أن يصبحوا فاعلين داخل كل المجالات ويتسمون بمهارات عالية في فن الخطابة والريادة والتدبير وتقبل الآخر. وبهذه الطرق، يكون الآباء والأطر العاملين في المجال التربوي سواء داخل منظومة التربية النظامية وغير النظامية، والتربية الدامجة لذوي الاحتياجات الخاصة، مساهمين في التخفيف من ظاهرة التنمر الإلكتروني. [إبراهيم مصلح حيمو، ولدك ليس غبيًا، دراسات تربوية خاصة، ص 130.131.1301، بتصرف]
مهارات الاتصال وفن التعامل مع الآخرين:
-
مهارات الحديث
-
قوة الصوت ودرجة خشونته.
-
القدرة على التحكم في سرعة حركة اللسان داخل الفم. [أبو السعيد، د. زهير عبد اللطيف، “مهارات الاتصال وفن التعامل مع الآخرين]
تظل ظاهرة التنمر الإلكتروني من بين الظواهر الاجتماعية البالغة الخطورة وخاصة على فئة الأطفال. لهذا، على مؤسسة الأسرة والمؤسسات التعليمية وجمعيات المجتمع المدني الاستعانة بمتخصصين وباحثين في مجال علم النفس التربوي وسوسيولوجيا التواصل، والمتخصصين في مجال الإعلام والاتصال لمواجهة الظاهرة ومواكبتها ميدانيًا بأبحاث وتجارب من أهل الاختصاص لتخفيف من الظاهرة والبحث عن سبل الوقاية وأهم الآليات التي تبين بشكل مفصل مدى خطورتها وأهم الطرق الواجب اتخاذها.
-
الشيعة في تونس: بين النشاط المدني وامتدادات النفوذ الإيراني
تحرير: أفريكا أي منذ الثورة التونسية سنة 2011، دخلت البلاد مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي والتعددية الفكرية والدينية، وهو ما فتح... رأي -
فرص وتحديات الاقتصاد الرقمي في إفريقيا
تحرير : صفاء فتحي يشهد الاقتصاد الرقمي في إفريقيا تحولا سريعا يترافق مع فرص واعدة للنمو الاقتصادي، رغم التحديات التي تظل... رأي -
سد النهضة الإثيوبي: محرك رئيسي للاقتصاد والتنمية المستدامة
تحرير: عمر قادر يعد سد النهضة الإثيوبي الكبير من المشاريع البارزة التي ستسهم بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد الإثيوبي في المستقبل.... رأي -
رواندا: من رماد المأساة إلى قاطرة التنمية في إفريقيا
تحرير : صفاء فتحي تُعد رواندا اليوم من أبرز النماذج الملهمة في القارة الإفريقية، بعد أن تمكنت من تجاوز ماضٍ دموي... رأي -
إيران في إفريقيا: من التوسع الثقافي إلى النفوذ العسكري
تحرير : أفريكا أي منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 بقيادة الخميني، وضعت إيران استراتيجية متكاملة تقوم على نشر الفكر وتوسيع... اخترنا لكم -
إيران في مواجهة العاصفة: سقوط الأسد وإرهاصات الانهيار القادم
تحرير : وداد وهبي تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات كبرى ترسم ملامح مرحلة جديدة، حيث شكّل سقوط نظام بشار الأسد نقطة... رأي