الفولاني: رحلة جينية من الصحراء إلى العالم

تحرير: صفاء فتحي

أظهرت دراسة جينية حديثة معطيات دقيقة تسلط الضوء على الأصول الوراثية لشعب الفولاني، الذي يعد من أقدم وأكبر المجتمعات الرعوية في إفريقيا. هذه الدراسة، التي نشرتها مؤسسة “إلسفير” نيابة عن المجلة الأميركية لعلم الوراثة البشرية، تعد واحدة من أوسع الدراسات التي أُجريت على هذا الشعب، حيث شملت تحليل الحمض النووي لـ1146 شخصا، من بينهم 140 فردا من الفولاني ينتمون إلى مجموعات رعوية في بوركينا فاسو ومالي.

النتائج الجينية التي خلصت إليها الدراسة أظهرت أن الفولاني يحملون تركيبة وراثية معقدة تجمع بين أصول إفريقية من جنوب الصحراء وأخرى أوراسية تعود إلى أوروبا والشرق الأدنى وشمال إفريقيا.
يشير ذلك إلى تمازج جيني وقع قبل نحو 1800 عام، ويعتقد أنه نتج عن موجات من الهجرات الثقافية والتجارية عبر الصحراء الكبرى. كما يعكس تاريخا طويلا من التفاعل بين الشعوب، ويعارض التصورات النمطية التي لطالما صورت الفولاني كجماعة منفصلة أو “استثنائية” دون أي دليل علمي موثوق.

تستعرض الدراسة أيضا تأثير أسلوب حياة الفولاني الرعوي المتنقل على خصائصهم الجينية، حيث ساهمت حركتهم المستمرة في توسيع نطاق انتشار جيناتهم عبر القارة. وقد كان لهذا التنقل المستمر دور كبير في الحفاظ على خصوصيتهم الثقافية، مقارنة بالمجتمعات الزراعية أو الحضرية التي شهدت مزيدا من الاختلاط السكاني. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتباطهم الوثيق بتربية الماشية واعتمادهم على الإسلام منذ قرون لعب دورا مهما في تعزيز هويتهم الجماعية وحمايتها من الانصهار داخل المجتمعات الأخرى المتنوعة.

في هذا السياق، يرى الباحثون أن الفولاني يشكلون نموذجا ملموسا للتنوع الإفريقي الغني الناتج عن تفاعلات ثقافية وجينية متواصلة عبر الزمن، وهو ما يتطلب مراجعة علمية للعديد من التصنيفات الأنثروبولوجية القديمة التي لم تكن مدعومة بدراسات ميدانية معمقة. كما شدد الفريق العلمي على أهمية مواصلة الأبحاث الجينية في إفريقيا، نظرًا لكون القارة، رغم غناها البيولوجي واللغوي والثقافي، لا تزال تعاني من ضعف كبير في تمثيل سكانها ضمن قواعد البيانات الوراثية العالمية، الأمر الذي يحدّ من فهمنا الحقيقي لتاريخ البشرية وأصولها المتداخلة.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض