الصومال تكسر صمت الصناديق بعد ستة عقود

تحرير: صفاء فتحي

في خطوة تاريخية نحو ترسيخ المسار الديمقراطي، شهدت العاصمة الصومالية مقديشو، الثلاثاء الماضي، انطلاق أول عملية لتسجيل الناخبين استعدادا لانتخابات المجالس البلدية، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من ستين عاما. هذا الحدث يعد تحولا سياسيا بالغ الأهمية، تسعى من خلاله البلاد إلى تجاوز نظام المحاصصة القبلية، وتأسيس مؤسسات تتمتع بشرعية انتخابية مباشرة.

انطلقت العملية من حي “شنغاني” العتيق، حيث شهدت مراكز التسجيل إقبالا غير متوقع من السكان، معظمهم لم يسبق لهم المشاركة في أي استحقاق انتخابي مباشر. المواطنون، وبينهم نساء وأمهات، عبروا عن حماسة لافتة تجاه هذه الخطوة التي يرون فيها بداية حقيقية لكسر هيمنة التوازنات القبلية على المشهد السياسي، والتي ظلت سائدة منذ عام 2004.

وتشرف على هذه العملية اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود، التي أعلنت أن عملية التسجيل ستستمر ثلاثين يوما، وتشمل أربع ولايات فدرالية من أصل ست، ضمن جدول زمني يغطي 16 محافظة من مجموع 18، مع استثناء ولايتي “صومالي لاند” و”بونتلاند” اللتين سبق لهما تنظيم انتخابات بلدية. وتقدر اللجنة أن عدد المسجلين قد يتجاوز مليونا ونصف المليون، وقد يصل إلى مليوني ناخب مع نهاية المدة المحددة.

ولضمان النزاهة، اعتمدت اللجنة نظام التسجيل البيومتري، حيث توثق بصمات وصور وجوه الناخبين، وتربط بياناتهم الشخصية ببطاقات انتخابية إلكترونية، بما يمنع التزوير أو التكرار في التسجيل. ويرى القائمون على المشروع أن هذه التقنية تمثل خطوة أساسية نحو تعزيز ثقة المواطنين في العملية الانتخابية.

في هذا السياق، أكد رئيس اللجنة أن جميع الاستعدادات التقنية والإدارية أنجزت قبل انطلاق التسجيل، مشيرا إلى أن الإقبال فاق التوقعات، ما يعكس تعطشا شعبيا للتغيير السياسي والاستقرار. من جهته، وصف عمدة مقديشو هذه اللحظة بالتاريخية، واعتبرها محطة فارقة بعد سنوات من الانتخابات غير المباشرة، داعيا سكان العاصمة إلى المشاركة الفعالة في العملية.

وتراهن الصومال اليوم على نجاح هذا المسار في بناء نظام حكم ديمقراطي، يتجاوز إرث الانقسامات القبلية، ويكرس تمثيلا عادلا لجميع المواطنين. ومع بدء التسجيل، تترقب الأوساط المحلية والدولية ما إذا كانت البلاد ستتمكن فعلا من طي صفحة عقود من الصراعات والتهميش السياسي.