موغافولي: “الجرافة” التي غيّرت وجه تنزانيا في مكافحة الفساد

تحرير: صفاء فتحي

منذ أن تولى جون موغافولي رئاسة تنزانيا في أكتوبر 2015، بدأت البلاد رحلة جدية لمكافحة الفساد الذي كان يعصف بمؤسساتها الحكومية. موغافولي، الذي اكتسب لقب “الجرافة” نظرا لأسلوبه الحازم في قيادة مشاريع بنية تحتية ضخمة، حمل شعار “إذا أردت تنظيف الدرج فعليك أن تبدأ من الأعلى” مستلهما من الحكمة السواحيلية، ليكون نقطة انطلاق لحملة وطنية واسعة تسعى إلى محو الفساد.

تمكنت تنزانيا تحت قيادة موغافولي من إجراء تغييرات جذرية في هذا الاتجاه، حيث شهدت البلاد تحسينًا ملحوظا في ترتيبها ضمن مؤشر الشفافية العالمي. ففي عام 2018، حصلت تنزانيا على المركز 99 من بين 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد، بينما وصلت إلى المركز 88 في 2024، متفوقة على العديد من الدول مثل تركيا وروسيا وعدد من الدول العربية.

منذ بداية ولايته، اتخذ موغافولي إجراءات قاسية لمحاربة الفساد. فقد قام بزيارة مفاجئة إلى وزارة المالية، حيث اكتشف وجود موظفين متغيبين يتلقون رواتب دون أن يؤدوا أعمالًا حقيقية. كما أقال الآلاف من هؤلاء الموظفين الوهميين، مستهدفًا من خلال ذلك تنقية النظام الإداري. ولم يقتصر الأمر على الإصلاحات في الحكومة فقط، فقد اتخذ خطوة غير مسبوقة عندما قرر إلغاء الاحتفالات بعيد الاستقلال لأول مرة منذ 54 عامًا، واستبدلها بحملة تنظيف وطنية شارك فيها بنفسه، مما عزز من صورة الحكومة النزيهة أمام الشعب.

إضافة إلى الإصلاحات الإدارية، عمل موغافولي على تقليص عدد الوزراء من 30 إلى 19، وفرض عليهم كشف أرصدتهم الشخصية. كما أقال العديد من المسؤولين البارزين المتورطين في الفساد أو الذين أظهروا ضعفًا في الأداء. هذا الحزم في التعامل مع الفساد ساهم في تعزيز الثقة في الحكومة وزيادة الرقابة على مؤسسات الدولة.

ولم تقتصر جهود موغافولي على الإصلاحات السياسية والإدارية، بل شملت أيضًا بناء ثقافة جديدة من النزاهة بين الشباب. ففي عام 2015، تم تأسيس نوادي لمكافحة الفساد في المدارس والمعاهد التعليمية بهدف غرس قيم النزاهة والشفافية في الأجيال الجديدة. هذه المبادرة أثبتت فعاليتها في تعزيز الوعي بمخاطر الفساد، حيث أسهمت في تغيير السلوكيات المجتمعية وترسيخ ثقافة رفض الرشوة.

نتيجة لهذه الجهود، استطاعت تنزانيا أن تحقق تقدمًا ملموسًا في محاربة الفساد، ما جعلها نموذجًا يحتذى به في المنطقة. ورغم التحديات التي تواجهها العديد من الدول النامية، تبقى تجربة تنزانيا مصدر إلهام للعديد من البلدان التي تسعى إلى اجتثاث الفساد وتطوير إداراتها العامة.

توفي موغافولي في مارس 2021 بعد مرض مفاجئ، ما شكل صدمة كبيرة للبلاد. بعد وفاته، تولت سامية سولوهو حسن منصب الرئيس، لتصبح أول امرأة في تاريخ تنزانيا تتولى هذا المنصب.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض