إيران في إفريقيا: رسائل ناعمة وخطاب تحرري لإخفاء مشروع طائفي

تحرير : أفريكا أي

بخطوة لافتة في توقيتها ودلالتها، نشر المرشد الإيراني علي خامنئي عبر منصة “X” تدوينة أشاد فيها برموز النضال الإفريقي ضد الاستعمار، مثل نكروما ونيريري ومانديلا. غير أن هذه الإشارة، التي تبدو للوهلة الأولى احتفاء بتاريخ مشترك من الكفاح، لا تنفصل عن مشروع توسعي مأزوم يسعى إلى إعادة تصدير النموذج الإيراني خارج حدوده المتآكلة. إنها محاولة لإعادة ترميم صورة إيران في واجهة قارة تعيد رسم خريطة تحالفاتها، لكن عبر خطاب رمزي لا يستبطن سوى رغبة في التغلغل المذهبي المغلف بشعارات التحرر.

خلافا لما تروج له من تضامن أممي، تتحرك طهران في إفريقيا بدافع استراتيجي يقوم على مد نفوذها العقائدي، لا بناء شراكات متكافئة. بعد تعثرها في العراق وتراجع تأثيرها في سوريا ولبنان، تحاول الجمهورية الإسلامية ملء فراغ النفوذ في إفريقيا، مستثمرة لحظات التحول العسكري والسياسي في دول الساحل. لكن أدواتها، المرتكزة على أذرع مذهبية ومنصات إعلامية موجهة، لا تملك القدرة على منافسة الفاعلين الإقليميين الذين يفهمون النسيج الديني والاجتماعي للقارة ويملكون مشروعية أوسع وأدوات أكثر رشاقة وتأثيرا.

الخطاب الثوري الذي تطلقه طهران يبدو مستهلكا في زمن تغيّرت فيه خرائط الوعي السياسي والديني. المجتمعات الإفريقية، ذات الغالبية السنية، أظهرت مناعة فكرية ضد الدعوات المذهبية الطارئة، وتاريخها التحرري لا يحتاج إلى وصاية دينية خارجية. المفارقة أن إيران، التي تدّعي مناهضة الإمبريالية، تمارس في المقابل سياسات تدخلية في جوارها، وتستخدم الخطاب التحرري أداة لاختراق البيئات الهشة، بما يحوّل “رسالتها” إلى وسيلة ابتزاز سياسي لا تحمل مضمونا حقيقيا.

في النهاية، لا تعدو إفريقيا بالنسبة لطهران كونها ساحة بديلة لاختبار أطروحات لم تجد لها صدى في العالم العربي. محاولات إنشاء “محور مقاومة” جديد داخل القارة ليست سوى مظلة دعائية تغطي فشلا ممتدا في بناء نفوذ حقيقي. وبينما تزداد العواصم الإفريقية وعيا بالمناورات الجيوسياسية المغلفة بشعارات دينية، تنكشف محدودية المشروع الإيراني، الذي لم يعد يملك سوى لغته القديمة، الموجهة إلى عالم تغيّر ولم يعد يرى في طهران أكثر من لاعب مأزوم يتنقل من خطاب إلى آخر، بحثا عن مكان فقده في خرائط النفوذ الكبرى.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض