إفريقيا بين المطرقة الصينية والسندان الإيراني: كيف يقوض ترامب نفوذ واشنطن في القارة السمراء

تحرير: وداد وهبي

في مؤشر جديد على تراجع الدور الأمريكي في إفريقيا، أثار أسلوب تعامل الرئيس الأمريكي  دونالد ترامب مع نظيره الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا في البيت الأبيض موجة من الانتقادات، ورسّخ قناعة متزايدة بين القادة الأفارقة بأن الولايات المتحدة تكتب بنفسها نهايتها السياسية في القارة. فعلى مدى سنوات، أظهرت سياسة ترامب تجاه إفريقيا لامبالاة واضحة، رغم أن القارة الإفريقية تُعد من أكثر المناطق نمواً في العالم ديموغرافياً واقتصادياً، وستحتضن قريباً أكبر قوة عاملة في العالم.

القرارات التي اتخذتها إدارة ترامب، مثل تقليص تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تهدد الأمن الغذائي في السودان وتعطل الإنجازات الصحية في محاربة الإيدز بجنوب إفريقيا. كما أن اقتراح خفض تمويل البنك الإفريقي للتنمية بمقدار 555 مليون دولار، فتح الباب أمام خصوم الولايات المتحدة لتعزيز حضورهم السياسي والاقتصادي في القارة.

في هذا السياق، صعّدت إيران جهودها للتقارب مع إفريقيا عبر قمة التعاون الاقتصادي الإيراني الإفريقي التي نُظّمت في طهران، حيث تعهّدت بزيادة حجم تجارتها السنوية مع إفريقيا إلى 10 مليارات دولار، مع خطط لفتح خطوط بحرية وجوية جديدة، وإنشاء صندوق مشترك للتنمية، وخط ائتماني بقيمة ملياري دولار مخصص لشراء المنتجات الإفريقية. وقد حضرت القمة وفود رفيعة من 29 دولة إفريقية، من بينها كينيا التي تبحث عن فتح الأسواق الإيرانية أمام صادراتها الزراعية مقابل الحصول على النفط الإيراني، خاصة في ظل تآكل برنامج “أغوا” (AGOA) الأمريكي الذي كان يتيح دخول البضائع الإفريقية إلى الأسواق الأمريكية دون رسوم جمركية.

من جانبها، أبرمت إثيوبيا اتفاقاً أمنياً مع إيران لمواجهة التهديدات الداخلية، شمل التعاون الاستخباراتي والتدريبي بين قوات الشرطة في البلدين، في حين تتطلع طهران إلى تعميق علاقاتها الاقتصادية مع الجزائر، التي تمثل منفذاً استراتيجياً في ظل العقوبات المفروضة على إيران.

أما الصين، فقد عززت بدورها نفوذها الاقتصادي في إفريقيا، وبلغ حجم تجارتها مع القارة 296 مليار دولار في عام واحد، مقابل 71.6 مليار دولار فقط للولايات المتحدة. ووقعت نيجيريا وكينيا وزامبيا اتفاقيات كبرى مع بكين شملت البنية التحتية والطاقة، أبرزها تمويل صيني بقيمة 652 مليون دولار لإنشاء طريق يربط ميناء لاغوس بمصفاة دانغوتي.

سياسات ترامب، بدلاً من دعم الحلفاء الأفارقة، شجعت هذه الدول على التوجه شرقاً نحو شركاء أكثر براغماتية، ما يضعف من تأثير واشنطن مستقبلاً ويتيح للصين وإيران وغيرهما ملء الفراغ.

وفي مشهد مؤثر، تعرض الرئيس رامافوزا لموقف حرج في البيت الأبيض، حيث عرض ترامب مقطع فيديو تضمن اتهامات بارتكاب “إبادة بيضاء” في جنوب إفريقيا، مستخدماً صوراً مفبركة ومعلومات مضللة، رغم أن البيانات الرسمية أظهرت أن معظم ضحايا جرائم القتل في المزارع كانوا من السود. هذا الموقف الاستعراضي من ترامب عزز شعبية رامافوزا محلياً، لِما أبداه من ضبط للنفس وتمسّك بالمسؤولية الدبلوماسية.

في المقابل، يواجه ترامب انتقادات قانونية ودولية بشأن محاولات ترحيل مهاجرين إلى دول إفريقية تعاني من النزاعات، أبرزها جنوب السودان وليبيا. وقد أوقفت محاكم أمريكية مؤخراً عمليات ترحيل إلى هذه الدول بسبب خطورة الأوضاع الأمنية فيها.

واستكمالاً لهذا التوجه التصعيدي، أعلنت واشنطن فرض عقوبات جديدة على الحكومة العسكرية في السودان، بعد استخدامها المزعوم لأسلحة كيميائية ضد قوات الدعم السريع، وذلك في نزاع مستمر للعام الثالث أودى بحياة أكثر من 150 ألف شخص. وبحسب تقارير صحفية، يُشتبه باستخدام غاز الكلور في هجمات نفذتها القوات الحكومية في عام 2024.

كل هذه التحركات تعكس تراجع واشنطن أمام صعود قوى جديدة أكثر انخراطاً في إفريقيا، في وقت تبدو فيه الولايات المتحدة عاجزة عن إعادة رسم صورتها كشريك موثوق في القارة.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض