عيد الأضحى في أفريقيا: فرح يتحدى المحن وطقوس تعبر عن هوية القارة
تحرير: وداد وهبي
في كل رقعة من القارة السمراء، يستقبل المسلمون عيد الأضحى بطقوس تتجاوز كونها شعائر دينية إلى كونها طقوسا ثقافية متجذرة في الهوية، تتناقلها الأجيال رغم تقلبات الزمن، والأزمات السياسية، والنزاعات المسلحة، ومشقات الحياة. عيد الأضحى، أو “تباسكي” كما يطلق عليه في عدد من دول غرب أفريقيا، يظل مناسبة جامعة توحد شعوب متنوعة اللغات والأعراق، وتعيد للأسر والمجتمعات لحظات الصفاء والتكافل.
في القرى النائية كما في العواصم الصاخبة، يتهيأ ملايين المسلمين لاستقبال العيد قبل حلوله بأيام وأسابيع. تكنس البيوت وتجفف الحبوب على الأسطح، وتخاط الأثواب في الأزقة، بينما يضج السوق بالملح والأقمشة والتوابل. في مالي، حيث تتسلل الشمس إلى الأحياء القديمة في تمبكتو، تبدأ طقوس العيد من صوت الماكينات في دكاكين الخياطة، وتكتظ الأرصفة بباعة اللحوم والتوابل وأساور البنات. وفي السنغال، حيث تتقاطع الصوفية مع الإيمان الشعبي، يصبح شراء الأضحية وإظهارها أمام البيت علامة اجتماعية تعبر عن الكرامة أكثر من الثراء.
مع فجر العيد، يبدأ السعي الى الصلاة. في نيجيريا، تمتد الصفوف كالأمواج في ميادين كانو وسوكوتو، حيث تصطف النساء والرجال والأطفال في لوحة تزهو بالأنماط التقليدية الملونة. وفي إثيوبيا، يرتل الأئمة الأدعية بلغات البلاد الأمهرية والأورومية والصومالية، لتختلط الأذكار بالموسيقى المحلية التي تسبق تكبيرات العيد. أما في تنزانيا، فإن البحر نفسه يصلي؛ حيث تقام الصلاة على الشاطئ، ويقف الناس حفاة على الرمال، تحيط بهم أصوات النوارس ورائحة البحر.
اللباس في العيد ليس رفاهية ولا مجرد زينة، بل هو تصريح ثقافي جماعي. ففي غانا، ترتدي النساء “الكينتي” المزركشة بألوان تنطق بتاريخ الممالك القديمة. وفي تنزانيا، يظهر الرجال بـ”الكانزو” الأبيض والعمائم الأنيقة، بينما تلفّ النساء رؤوسهن بأوشحة بلون العلم الوطني. أما في النيجر، يتزين الطوارق والبدو والعرب بثياب تحاكي لباس الصحراء الكبرى، تشبه “الدراعية” الموريتانية، وتخفي وجوههم لحى مطرزة بغبار العزلة. في نيجيريا، تقام عروض الخيول وتطلق الطلقات النارية، كأنما العيد هو احتفال بالهوية أكثر من مناسبة طارئة.
ما إن تنتهي الصلاة حتى تبدأ مواكب الطعام والضيافة. ففي تشاد، تطبخ “العجينة الزرقاء” وتوزع اللحوم على الجيران في طقس يحاكي فلسفة الأضحية: أن نتقاسم ما هو أغلى من المال. في كوت ديفوار، يقدم “الأتيكي” الشبيه بالكسكس، مع صلصة الفلفل الحار واللحم المشوي، في حين أن جزر القمر تبدع في مزج جوز الهند بالأرز والسمك في وجبات تستنطق البحر والطبيعة معا. فالطعام هنا ليس مجرد وجبة، بل لغة مشاركة جماعية، تمتد من الصحن إلى القلب.
أما الأطفال، فهم القصيدة التي يرتل بها العيد نفسه. في النيجر، يركضون بين البيوت حاملين أكياس النقود الصغيرة، يرتدون ملابسهم الجديدة ويهتفون بالأهازيج الشعبية. في الصومال، يغلب الأبيض على ثيابهم، ويتسابقون في تلاوة ما حفظوه من القرآن، نائلين قطع الحلوى ومكافآت الكبار. في مالي، تقام لهم مسابقات في الأحاديث وحِكم الأجداد، تمنح فيها جوائز رمزية، لكنها تبني فيهم ذاكرة لا تشترى.
في خلفية كل هذا الفرح، يظل العيد أيضا مناسبة للصفح، لغسل الضغائن وتجديد الوصل. ففي الريف الأفريقي، لا توزع الأضحية فقط، بل توزع معها رسائل مغلفة بالتسامح، تطرق بها أبواب من انقطعت صلتهم، وتستعاد بها صلة الرحم تحت ظلال شجرة أو على مائدة ترابية.
هكذا هو عيد الأضحى في أفريقيا: أكثر من تقليد، وأعمق من مناسبة، وأبقى من الظرف الزمني. هو نشيد روحي يتردد في الحارات والقرى والعواصم، يغنيه الأفارقة بلغاتهم ولهجاتهم وأزيائهم وقلوبهم، في تأكيد متجدد على أن العيد في القارة السمراء ليس لحظة دينية فقط، بل تجسيد فعلي للحياة.
-
المنظمة الإفريقية للصحة تعرض استراتيجيات الوقاية والتقنيات الطبية في معرض أفريقيا بالقاهرة
تحرير: رضى الغزال احتضنت القاهرة فعاليات معرض أفريقيا للصحة إكسكون 2025، إذ يعتبر أكبر ملتقى للصحة والتقنيات الطبية في أفريقيا والمنطقة... صحة -
فاجعة إنسانية : مصرع 11 عاملا في انهيار منجم ذهب تقليدي شمال شرق السودان
تحرير: وداد وهبي في ظلّ حرب أهلية دامية تعصف بالسودان منذ أكثر من عامين، شهدت منطقة نائية في شمال شرق البلاد... مجتمع -
مهندس شاب من الموزمبيق يبتكر نظارات ذكية تعيد الأمل للمكفوفين
تحرير: وداد وهبي في أحد أحياء مدينة ماتولا القريبة من العاصمة الموزمبيقية مابوتو، يعمل الشاب جواو أنطونيو ريجو، البالغ من العمر... مجتمع -
أفريقيا: قارة غنية وسط تنافس الشركاء وصراعات النفوذ
تحرير: صفاء فتحيتتميز أفريقيا بثروات طبيعية هائلة وفرص اقتصادية متعددة، وتعتبر واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية على الصعيد العالمي. رغم... أفريقيا -
مأساة البكالوريا في بانغي: 29 تلميذا قضوا نحبهم دهسا و260 جريحا بعد انفجار محول كهربائي أثناء الامتحانات
تحرير: وداد وهبي شهدت العاصمة بانغي في جمهورية إفريقيا الوسطى فاجعة مروعة أول أمس الأربعاء، حيث لقي ما لا يقل عن... مجتمع -
احتفالات وأمل: فتح الحدود بين إثيوبيا وإريتريا يعيد الحياة إلى عائلات فرّقها الصراع
تحرير: وداد وهبي للمرة الأولى منذ خمس سنوات، عمت مشاهد الفرح مناطق الحدود بين إثيوبيا وإريتريا، حيث احتفل الأهالي بإعادة فتح... القرن الإفريقي