غرب أفريقيا: من مصدر الكاكاو إلى مصنع عالمي للشوكولاتة

تحرير: صفاء فتحي

بدأت دول غرب أفريقيا، التي تحتل موقع الصدارة في إنتاج الكاكاو على مستوى العالم، مسارا جديدا يعيد تعريف دورها الاقتصادي من مجرد مصدر للمواد الخام إلى مصنع رئيسي للمنتجات النهائية. تستحوذ هذه الدول على نحو 70% من إنتاج الكاكاو العالمي، لكنها لفترة طويلة اقتصرت على تصدير حبوب الكاكاو الخام إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية، حيث تعالج وتحول إلى شوكولاتة تباع بأسعار تفوق بكثير قيمة المادة الأصلية. أدى هذا الاعتماد على التصدير دون تصنيع محلي إلى إبقاء هذه الدول في حلقة اقتصادية تعتمد على الموارد الخام، دون الاستفادة الكاملة من القيمة المضافة التي توفرها عمليات التصنيع.

وشهدت المنطقة خلال السنوات الأخيرة تحولات ملموسة عبر إطلاق برامج ومبادرات لتعزيز القدرات الصناعية في مجال معالجة الكاكاو وتصنيع الشوكولاتة. في ساحل العاج، على سبيل المثال، أبرمت شراكة استراتيجية مع شركة ماليزية لتوسيع قدرة مصنع “ترانزكاو” من 50 ألف طن إلى 190 ألف طن سنويا، ما يمثل نقلة نوعية في تعزيز الصناعة المحلية. وحددت غانا هدفا طموحا بمعالجة نصف إنتاجها من الكاكاو محليا بحلول عام 2030، حيث شرعت في تقديم تسهيلات للشركات المحلية وتحفيز الاستثمارات الأجنبية، ما أسفر عن خلق آلاف فرص العمل. أما في نيجيريا، برزت شركات ناشئة مثل “Johnvents” التي تلقت دعما من مؤسسات تمويل دولية لتطوير مصانع قادرة على معالجة كميات كبيرة من الكاكاو وتسويق منتجات محلية تسعى إلى دخول الأسواق العالمية.

رغم هذه التطورات، تواجه دول غرب أفريقيا تحديات متعددة تعيق توسع القطاع الصناعي، من بينها تقلب أسعار الكاكاو التي شهدت ارتفاعا غير مسبوق عام 2024 بفعل عوامل مناخية، أمراض نباتية، ونقص في اليد العاملة. كما تعاني المنطقة من ضعف البنية التحتية، لا سيما في الطرق وشبكات الكهرباء، بالإضافة إلى نقص الكوادر الفنية المدربة، ما يؤثر سلبا على قدرة المصانع على المنافسة في الأسواق العالمية.

وعلى الصعيد الإقليمي، تتصدى منظمة “إيكواس” لهذه التحديات عبر خطط استراتيجية تهدف إلى رفع نسبة التصنيع المحلي للمواد الخام إلى 30% خلال العقد المقبل. تشمل هذه الخطط إنشاء مجمعات صناعية متكاملة تدعم الابتكار والتدريب المهني، تعزز التجارة البينية بين دول المنطقة، وتقلل الاعتماد على الأسواق الأوروبية. كما تلعب المؤسسات الدولية دورا حيويا في دعم هذه الجهود عبر التمويل، التدريب، وتوفير التكنولوجيا.

يعكس هذا التحول الصناعي مستقبل الاقتصاد في غرب أفريقيا، إذ يتجاوز زيادة فرص العمل وحجم الدخل إلى تحقيق سيادة اقتصادية من خلال تقليل الاعتماد على التصدير الخام ورفع مستوى القيمة المضافة. تمثل هذه التحولات خطوة استراتيجية تؤسس لعلاقات اقتصادية أكثر توازنا مع الأسواق العالمية، وقد تمهد الطريق لغرب أفريقيا ليكون لها دور مؤثر ليس فقط في إنتاج الكاكاو، بل أيضا في صناعة الشوكولاتة على المستوى الدولي.