حرب الظل تتحول إلى مواجهة مباشرة: أين يقف العالم من أخطر لحظة شرق متوسطية بين ايران وإسرائيل؟

بقلم: وداد وهبي

في لحظة مفصلية يخيم عليها توتر مشحون قد يسبق الانفجار الاعظم، تتقاطع شظايا الصواريخ مع حسابات الردع الاستراتيجي، وتتلاشى الحدود بين التحذير والتنفيذ بين طهران وتل أبيب. ويجد الشرق الأوسط نفسه مندفعا نحو مشهد بالغ التعقيد، حيث تكتب ملامح الصراع بالخسائر لا بالبيانات، وتتداخل النيران مع جغرافية المنطقة، فلا يعود من الممكن فصل الجبهات المحلية عن الحسابات الإقليمية والدولية.

منذ بدء الضربات الإسرائيلية المباشرة على أهداف نووية وعسكرية داخل إيران، تراجعت لغة “الخطوط الحمراء” لصالح منطق “الاشتباك المفتوح”. وأضحى المشهد الميداني، بحسب أكثر من مصدر عسكري وإعلامي، هدفا لغارات لم تقتصر فقط على مواقع البنية النووية، بل تجاوزت ذلك لتستهدف أكبر الرموز السيادية في البلاد ، في ما فهم على أنه محاولة لإحداث اختلال استراتيجي داخل منظومة الحكم الإيرانية بأكملها.

وفي إطار رد الصاع، جاء الرد الإيراني عبر صواريخ باليستية وهجمات بطائرات مسيرة، استهدفت عمق المدن الإسرائيلية وأوقعت عشرات القتلى، في مشهد لم يشهد له الكيان مثيلا منذ حرب أكتوبر. لكن حصيلة الضحايا المتزايدة ليس وحدها ما يقض مضجع الشرق الاوسط، بل يتجاوز الامر ذلك الى فقدان السيطرة على إيقاع التصعيد، إذ اعتمد الطرفان توجيه الرسائل بأدوات حربية بحثة، دون تدخل اي وسطاء أو اقتراح هوامش للتفاوض.

وإذا كانت تل أبيب تراهن على إحداث “شرخ عميق في قلب النظام”، فإن طهران مدركة تمام الإدراك بأن المعركة لم تعد  تخص منشآتها النووية فقط، بل استهدفت عوض ذلك وجودها الإقليمي كنموذج قوة مقاومة داخل مشروع استنزاف استراتيجي طويل الأمد.

وفي هذا الصدد، لا يمكن تجاهل دخول أطراف أخرى على خط الاشتباك. إذ تؤكد الغارات الإسرائيلية التي استهدفت اجتماعا لقيادات حوثية في اليمن  أن تل أبيب تخوض حربا متعددة الجبهات، وتعمل وفق عقيدة “الضرب الإستباقي” على كامل رقعة ما تسميه بـ”الهلال الإيراني”. غير أن حساباتها هذه قد تكون محفوفة بالمخاطر ففتح جبهات متزامنة في اليمن، وغزة، وسوريا، ولبنان، والعراق، قد يضعف قدرتها على التحكم في مسار التصعيد.

ويبقى السؤال الذي يتجاوز منطق الحرب المباشرة: أين تقف الولايات المتحدة من كل هذا؟ فرغم تكرار واشنطن لنفيها التورط في هذه الهجمات، إلا أن رواية إيران مختلفة تماما. فطهران مقتنعة بشدة، حسب تقارير عديدة، بأن الضوء الأخضر الأميركي قائم، حتى وإن كان صامتا. وقد عبر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في رد فعل سريع عبر Truth Social، عن تحذيره لطهران من مغبة أي هجوم على مصالح بلاده، مهددا بوابل “قوة غير مسبوقة” اذا ما تحقق ذلك.

يحمل هذا التصريح،وإن بدا تقليديا،رسالة واحدة: لن يتحمل البيت الأبيض تكلفة الخوض في مواجهة مفتوحة ما لم تفرض عليه. لكنه أيضا لا يملك، حسب التحليلات السياسية، خارطة استراتيجية واضحة لما بعد الانفجار المحتمل في الإقليم.

وفي غمرة الانشغال الدولي بالتكتيكات العسكرية ومسارات النيران، يبرز الغياب الصارخ للدبلوماسية كأكبر فراغ في المشهد. إذ لم تسجل حتى اللحظة أي مبادرة جادة لفرملة التصعيد،وذلك بتراجع الوسطاء التقليديين – كفرنسا وتركيا وقطر – إلى هوامش هامسة بعد أن كانوا من أبرز الفاعلين. أما الموقف العربي، فيغرق في صمت ثقيل، يوحي بأن الإقليم يدفع بقوة نحو اختبار وجودي دون توافق مسبق أو جاهزية استراتيجية.

وفي هذه الموقف الحرج، لم يعد السؤال متى ستتوقف هذه المواجهة، بل كيف… وعلى أنقاض من؟ وبأي خرائط جديدة سيعاد رسم الشرق الأوسط حين يسدل غبار المعركة ستاره؟

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض