نساء في قلب نهضة مقديشو العمرانية: من الحطام إلى الريادة

تحرير: وداد وهبي

في قلب الطفرة العمرانية التي تعيشها العاصمة الصومالية مقديشو، تبرز قصتان نسائيتان تجسدان تحولا غير متوقع في مشهد البناء الذي لطالما سيطر عليه الرجال لعقود. فتيحة محمد عبدي وسعدية أحمد عمر، مهندستان شابتان، تشرفان على مشاريع تقدر قيمتها بملايين الدولارات، في تحد صريح للصورة النمطية عن دور المرأة في قطاع الإنشاءات.

فتيحة وسعدية، وكلتاهما في الرابعة والعشرين من عمرها، ترتديان الخوذات الواقية فوق حجاب الرأس، وتتنقلان بين طوابق مبنى سكني من عشرة طوابق قيد الإنشاء في منطقة طاليه بحي هودان في مقديشو، توجهان العمال – جميعهم من الرجال – بثقة وثبات.

تقول فتيحة، وهي المديرة التنفيذية للعمليات في شركة “أركان للخدمات الهندسية”، وهي شركة صومالية مملوكة ويديرها محليون:”حين بدأت عملي، شكّك كثيرون في قدرتي. كانوا يسألون: كيف نثق بمنزل تبنيه امرأة؟ وكيف أسلم أموالي وممتلكاتي لمهندسة شابة؟”

ورغم هذه النظرة التقليدية، واصلت فتيحة وزميلتها سعدية العمل بشغف، وراكمتا خلال خمس سنوات تجربة واسعة، أشرفتا فيها على أكثر من ثلاثين مشروعا كبيرا.”مقديشو بحاجة إلينا”، تقول سعدية بابتسامة واثقة. “عندما كنت صغيرة، كانت هذه المدينة غارقة في الفوضى… أما الآن، فنحن جزء من عملية إعادة الإعمار.”

منذ انهيار حكومة الرئيس محمد سياد بري عام 1991، عاشت الصومال على وقع حروب أهلية وصراعات متتالية، خلفت دمارا واسعا لا تزال آثاره بادية للعيان، خاصة في أحياء مثل شنغاني، حيث لا تزال المباني المدمرة شاهدة على عقود من العنف.
لكن في مشهد يعكس تحولا لافتا، تتوارى تلك الأنقاض تدريجيا خلف أبراج حديثة ومجمعات سكنية، بينما تزين الأفق رافعات البناء وهياكل معدنية قيد التركيب.

اللافت في قصة سعدية وفتيحة أن كليهما ولدتا في زمن الحرب، لكنهما اختارتا البقاء والعمل من الداخل، بينما غادر كثير من شباب البلاد نحو المنافي.
“ربما أحد أسباب دخول النساء إلى هذا القطاع بقوة هو كثافة العمل وقلة المتخصصين،” تشرح سعدية. “هذا النقص يخلق لنا مساحة وفرصة لإثبات الذات.”

في بلد أنهكته الحروب وما زالت تحدياته الأمنية قائمة، لا تشكل قصة فتيحة وسعدية مجرد كسر لحاجز اجتماعي، بل هي تجسيد لروح الجيل الجديد: جيل لا ينتظر التغيير من الخارج، بل يبنيه… طابقا تلو الآخر.