محور طهران–موسكو–بكين: شراكة اضطرارية أم جبهة استنزاف موجهة ضد الهيمنة الأميركية؟

تحرير: وداد وهبي

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعد تحالف غير تقليدي بين ثلاث قوى وازنة: روسيا والصين وإيران. ورغم تباين الأيديولوجيات والرهانات الجيوسياسية، توحد هذه الدول رغبة مشتركة في كبح الهيمنة الأميركية وإعادة تشكيل النظام العالمي على أسس تعددية. غير أن هذا التقارب، وإن بدا منسجما في الظاهر، يخفي في طياته الكثير من التناقضات والحدود البنيوية.

يستند هذا التحالف إلى خطاب مناهض للغرب، حيث يرى كل طرف في الآخر شريكا مفيدا في إضعاف النفوذ الأميركي. فموسكو وبكين توظفان الموقع الاستراتيجي لطهران لإرباك حسابات واشنطن في الشرق الأوسط، بينما تستفيد إيران من المظلة السياسية والتكنولوجية التي توفرها كل من روسيا والصين لتخفيف وطأة العقوبات.

لكن خلف هذا التقارب، تكمن علاقة تقوم على الحسابات البراغماتية لا على أسس استراتيجية متجذرة. كون روسيا لا تخفي قلقها من تغلغل إيران في سوريا، والصين تتجنب الانخراط في أي صراع مفتوح قد يهدد مصالحها مع دول الخليج أو يعرض مبادرة “الحزام والطريق” للاضطراب.

ورغم الدعم العسكري الرمزي، تبدي موسكو وبكين حذرا واضحا من التورط المباشر في الصراعات التي تخوضها إيران، خاصة مع إسرائيل. ففي حين امتنعت روسيا عن تزويد طهران بأنظمة دفاع متقدمة، تتجنب الصين الإضرار بعلاقاتها مع الرياض وأبو ظبي. هذا التوجس المتبادل يعكس حقيقة مرة: إيران حليف يمكن استخدامه، لا شريك يُضحّى من أجله.

أما على المستوى الاقتصادي، فتميل كفة التحالف بوضوح لصالح الصين، التي استفادت من العقوبات الغربية لتتحول إلى الشريك التجاري الأول لإيران. وفي حين تقدم طهران النفط بأسعار مخفضة، تحصل في المقابل على تقنيات مراقبة ومشاريع بنى تحتية تعزز النفوذ الصيني أكثر مما تدعم الاستقلالية الإيرانية.

مستقبل هذا التحالف مرهون بتطورات إقليمية ودولية معقدة. فإما أن يستمر كتحالف تكتيكي هش يتجنب التصعيد، أو أن ينهار مع أي تغيير في موازين القوى، خاصة إذا ما استأنفت طهران حوارا جادا مع الغرب. السيناريو الأخطر لطهران يكمن في أن تجد نفسها وحيدة في مواجهة التصعيد، دون أن تترجم الوعود الروسية والصينية إلى دعم ملموس.

إن ما يجمع روسيا والصين وإيران اليوم هو “تحالف مصالح لا مبادئ”. تحالف مؤقت يحكمه الظرف السياسي لا التزامات راسخة. وفي ظل تصاعد التوترات الإقليمية، خاصة مع إسرائيل، فإن هذا التحالف يبدو أقرب إلى أداة استنزاف للغرب منه إلى جبهة موحدة قادرة على صياغة نظام دولي بديل.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض