تصاعد الجماعات المسلحة في أفريقيا: تحديات بنيوية وأزمات معقدة

تحرير: صفاء فتحي

تشهد القارة الإفريقية تناميا مطردا في أنشطة الجماعات المسلحة، في سياق إقليمي يتسم بتشابك الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. هذا الواقع المعقّد أفرز بيئة هشة تمهد الطريق لبروز تنظيمات مسلحة، تتباين بين جماعات دينية متشددة وتشكيلات عرقية أو مناطقية. ولا يمكن تفسير هذا الامتداد فقط من منظور أيديولوجي، إذ يرتبط بالأساس بضعف الدولة، اتساع رقعة الفقر، وتفكك النظم التقليدية للحماية المجتمعية.

تتمركز العديد من هذه الجماعات في المناطق التي تفتقر إلى حضور فعال للمؤسسات، حيث تستفيد من هذا الفراغ لتقديم نفسها كبديل يوفر الحماية والاستقرار، غالبا بالقوة. في شمال شرق نيجيريا، مثلت هشاشة البنى المؤسسية أرضية مناسبة لتصاعد أنشطة جماعة “بوكو حرام”. كما ساهم انهيار مؤسسات الدولة في ليبيا في تدفق السلاح نحو منطقة الساحل، ما عقد الأوضاع في مالي، النيجر، وبوركينا فاسو. وتشهد جمهورية إفريقيا الوسطى تصاعدا في العنف المجتمعي بعد التحول السياسي الذي عرفته البلاد عام 2013، بينما تتحول الكونغو الديمقراطية إلى ساحة مفتوحة لأكثر من مئة جماعة مسلحة تنشط خارج نطاق الدولة.

يشكل الفقر عاملا بنيويا في هذا المشهد، حيث يعيش قرابة نصف سكان القارة تحت خط الفقر الدولي. في غياب فرص العمل والتعليم، يصبح الانخراط في هذه الجماعات خيارا أمام بعض الشباب، سواء طوعا لتحصيل دخل مادي، أو كنوع من الحماية في بيئة يسودها عدم الاستقرار. وتوظف هذه التنظيمات موارد طبيعية مثل الذهب، الالماس، الكولتان، العاج، وحتى الفحم، كمصادر تمويل بديلة بعيدا عن الاقتصاد الرسمي.

إلى جانب العوامل الاقتصادية، تغذي الهويات العرقية والدينية بعض أشكال العنف، إذ تلجأ جماعات عدة إلى سرديات التهميش أو المظلومية لتبرير أنشطتها. غير أن شهادات ميدانية ودراسات مستقلة تظهر أن العديد من المجندين لا ينخرطون بدافع أيديولوجي. بل يأتي انضمامهم كرد فعل على صدمات نفسية أو ظروف اجتماعية صعبة، مثل فقدان أحد أفراد الأسرة أو التعرض للعنف أو الإقصاء.

في الكونغو الديمقراطية مثلا، تسعى جماعات مسلحة إلى استغلال الموارد الطبيعية في ظل غياب سلطة مركزية قادرة على بسط نفوذها. وفي مالي والنيجر، تبرز التنظيمات العنيفة في المناطق الحدودية حيث تغيب التنمية وتضعف البنية الأمنية. أما في نيجيريا، فقد تحولت جماعة محلية إلى فاعل مسلح بعد تحولات داخلية، لتشكل مثالا على تفاعل العوامل الدينية، الاجتماعية، والسياسية في إنتاج العنف.

إن انتشار الجماعات المسلحة في القارة لا يمكن اختزاله في صراع أمني أو ديني فحسب، بل يعكس أزمة ثقة بين المواطن والدولة، وتراجع الأدوار التقليدية للمؤسسات. المواجهة الفعالة لهذا التحدي تقتضي مقاربة شاملة تتجاوز البعد العسكري، نحو إصلاحات تعزز الحوكمة، تعيد بناء العقد الاجتماعي، وتوفر مقومات العيش الكريم. ففي ظل استمرار التهميش والحرمان، ستظل هذه الجماعات تجد من ينخرط في صفوفها، حتى دون تبن لقناعاتها.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض