غرب أفريقيا: صراع القوى الكبرى على ثروات معدنية استراتيجية

التفاصيل: صفاء فتحي

تتموقع منطقة غرب أفريقيا في صلب خارطة الصراع العالمي على الموارد الاستراتيجية، نظرا لما تزخر به من ثروات معدنية ضخمة تشكل محورا رئيسيا في مسارات التحول الطاقي والتكنولوجي في القرن الحادي والعشرين. يجمع هذا الامتداد الجغرافي بين وفرة في المعادن النفيسة، كالذهب، وموارد حيوية مثل الليثيوم، النحاس، والبوكسيت، ما يمنحه أهمية متزايدة في سلاسل التوريد العالمية.

تنتشر أغلب هذه الثروات في نطاق “حزام الحجر الأخضر البريمي” الذي يعبر دولا مثل غانا، مالي، وبوركينا فاسو، ويحتوي على كميات كبيرة من الذهب إلى جانب رواسب من المنغنيز، الفوسفات، والنيكل. وتعد غينيا موطنا لأكبر احتياطيات البوكسيت في العالم، بينما تحتل دول كغانا والغابون مراكز متقدمة في إنتاج معادن أخرى أساسية للصناعات الحديثة. ومع ذلك، لا تزال أجزاء واسعة من المنطقة غير مستكشفة بالكامل، ما يفتح المجال أمام اكتشاف احتياطيات أخرى في المستقبل القريب.

تتنافس قوى دولية على هذه الإمكانات. فالصين، من خلال مبادرة “الحزام والطريق”، كثفت استثماراتها في التعدين والبنية التحتية، مستفيدة من شراكات ثنائية مع دول المنطقة لتأمين المواد الخام مقابل تطوير المشاريع الاستراتيجية. هذا النهج مكنها من تعزيز حضورها السياسي والاقتصادي في غرب القارة.

في المقابل، اختارت روسيا توسيع نفوذها عبر تقديم الدعم الأمني والعسكري لدول شهدت تحولات سياسية، مقابل الحصول على امتيازات في قطاعات حيوية مثل الذهب واليورانيوم. وقد أدى هذا الحضور إلى تحولات لافتة في ميزان القوى، خصوصا في دول مثل مالي، النيجر، وبوركينا فاسو، التي تقلص فيها نفوذ قوى غربية تقليدية.

أما القوى الغربية، ورغم دخولها المتأخر إلى ساحة المنافسة، فقد بدأت في توجيه استثمارات متزايدة نحو المعادن الحيوية، في سياق السعي لتأمين احتياجاتها من عناصر أساسية للطاقة النظيفة، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية وتحديات سلاسل التوريد العالمية.

تحاول حكومات غرب أفريقيا تحقيق توازن بين جذب الاستثمارات وحماية السيادة الاقتصادية، من خلال تحديث الأطر القانونية والتنظيمية، وفرض شروط أشد على الشركات الأجنبية بما يشمل الضرائب، المسؤولية الاجتماعية، والمعايير البيئية. ويبرز توجه متنام نحو زيادة الحصص المحلية في مشاريع التعدين، ومحاولة الخروج من دائرة “لعنة الموارد” التي لطالما رافقت الثروات الطبيعية في القارة بسبب الاستعمار والفساد والصراعات.

في ظل هذه التحديات والفرص، تقف دول غرب أفريقيا أمام لحظة مفصلية. إن قدرة الحكومات على التفاوض بحكمة، وتنظيم القطاع بشكل يضمن التنمية الشاملة، قد يحول الموارد الجيولوجية إلى رافعة حقيقية نحو الاستقرار والازدهار، ويمنح المنطقة موقعا محوريا في الاقتصاد العالمي الجديد.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض