صرخة في وجه “الذكورة المختلة”: العنف ضد النساء يتفجر في قلب القارة

تحرير: وداد وهبي

في مشهد يعكس المأساة المتكررة في مجتمعات إفريقية عدة، تم العثور على جثة الشابة الجنوب إفريقية أولوراتو مونغالي، البالغة من العمر ثلاثين عاما، مرمية على قارعة الطريق في إحدى ضواحي جوهانسبرغ. كانت الجثة نصف العارية تحمل آثار ضرب مبرح وكدمات تشير إلى عنف بالغ. بعد أقل من ساعتين على موعد تعارف جمعها برجل جديد، وجدت أولوراتو مقتولة بطريقة وحشية.

كانت مونغالي طالبة ماجستير بجامعة ويتس ومراسلة صحفية سابقة تخلت عن المهنة بعد أن أثقلت كاهلها تغطية قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي. وأكدت عائلتها  أنها كانت تعيش في خوف دائم من المصير ذاته الذي لاقته الصحفية الشابة كيرابو موكوينا عام 2017، التي قتلت على يد شريكها السابق بطريقة وحشية.

رغم مرور أكثر من عام على إقرار جنوب إفريقيا قانونا بإنشاء المجلس الوطني لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات، لا تزال جرائم قتل النساء في تصاعد. فبحسب تقارير رسمية، تقتل امرأة كل ثلاث ساعات، ويقدر عدد النساء اللواتي تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي في البلاد بنحو 7.8 مليون امرأة.

اللافت أن هذه الأرقام لا تعبر فقط عن أزمة أمنية، بل تكشف خللا عميقا في بنية الثقافة الذكورية في إفريقيا، كما خلص إليه أول تقرير وطني صادر عن “مجلس العلوم الإنسانية” في نونبر عام 2023. أكد التقرير أن “الهيمنة الذكورية المترسخة، وسلم التراتبية بين الجنسين، يشرعنان التبعية والعنف ضد النساء”.

في كينيا، لا تبدو الصورة أقل قتامة. فأكثر من 7,100 حالة عنف جنسي وجندري سجلت في أقل من 16 شهرا، شملت 100 جريمة قتل لنساء على يد شركاء أو أقارب. و سجلت من بين الضحايا العداءة الأولمبية الأوغندية ريبيكا تشيبتغي، التي لقيت مصرعها بعد أن سكب شريكها السابق البنزين عليها وأضرم  النار في جسدها وهي حية. وقد دفعت هذه الجرائم المتكررة الحكومة الكينية إلى إعلان أن العنف القائم على النوع الاجتماعي بات “أخطر تهديد أمني يواجه البلاد”.

ما يثير القلق حقا هو ما كشفته دراسة Afrobarometer عام 2023، حيث أظهرت أن 48٪ من الأفارقة لا يعتبرون العنف المنزلي جريمة، بل “شأنا خاصا”. وهو ما يفسر فشل معظم حملات التوعية في تغيير هذا الواقع.

وفي هذا السياق، صرح قائد منتخب جنوب إفريقيا للرغبي، سيا كوليسي، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة العام الماضي، قائلا: “الرجال لا يبذلون الجهد الكافي”. تصريح مقتضب، لكنه يلخص عمق الأزمة بوضوح تام.

لقد حان الوقت للاعتراف بأن نموذج الرجولة السائد في بعض المجتمعات الإفريقية قد بلغ مرحلة الإفلاس الأخلاقي، ولم يعد صالحا لمواكبة تطلعات العدالة والمساواة. والمطلوب ليس مجرد تشريعات زاجرة، بل تحول ثقافي عميق يقوده الرجال أنفسهم، ويقوم على قيم الكرامة والإنصاف ونبذ العنف. ثورة ثقافية تبدأ من داخل الأسرة وتتمدد إلى المدرسة والمسجد والمجالس التقليدية، تهدف إلى إحداث قطيعة مع الممارسات القمعية البائدة كختان الإناث والزواج القسري..

فلا مستقبل للعدالة في القارة، ولا عدالة في مستقبلها، دون إعادة بناء “الرجولة” على أسس إنسانية تجعل من الرجل حاميا للحياة، لا مصدر تهديد لها.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض