روسيا وأفريقيا في شراكة عسكرية تغذي الحرب في أوكرانيا

تحرير: صفاء فتحي

يتسارع نمط استقطاب أفراد من القارة الأفريقية للانخراط في العمليات العسكرية الدائرة في أوكرانيا، في ظل تصاعد وتيرة الحرب وسعي موسكو إلى تعزيز خطوطها الأمامية بقوى بشرية إضافية، ضمن ما ينظر إليه كاستجابة لضغط ميداني مستمر واستنزاف طويل الأمد للقدرات القتالية. وتثير هذه الظاهرة تساؤلات معقدة حول دوافع المجندين، آليات تجنيدهم، والبيئة التي يتم فيها إدماجهم في وحدات قتالية داخل نزاع دولي مفتوح.

تستند بعض عمليات التجنيد إلى استغلال هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، من خلال وعود بتحسين المستوى المعيشي، سواء عبر رواتب مغرية أو تسهيلات في الإقامة والجنسية. وفي هذا السياق، يجد بعض الطلبة أو الباحثين عن العمل أنفسهم في ظروف تفضي إلى خيارات محدودة، تنقلهم من وضع قانوني مستقر داخل الأراضي الروسية إلى بيئة غامضة ينتهي بها المطاف في مناطق النزاع.

يتقاطع هذا المسار مع توسع النفوذ الروسي في أفريقيا، حيث يشمل الحضور الروسي مجالات متعددة، من التعاون العسكري إلى الاستثمارات الاقتصادية، مما يوفر أرضية خصبة لتوسيع شبكات التواصل والاستقطاب، خصوصا في الدول التي تشهد شراكات أمنية مع موسكو. وتساهم عوامل مثل الدعم الفني، التدريب، وتبادل الخبرات في فتح قنوات غير مباشرة تصل من خلالها رسائل التجنيد إلى فئات سكانية، في بيئة دولية تتسم بتقلبات في موازين القوى وتأثيرها على دول الجنوب.

في المقابل، تجد بعض الحكومات الأفريقية نفسها أمام تحديات متنامية، نتيجة استقطاب مواطنيها نحو صراعات لا ترتبط بها سياسيا ولا جغرافيا. ويصعب على هذه الدول تتبع مصير من يغادرون أراضيها بدعوى العمل أو الدراسة، ليظهروا لاحقا في ساحات المعارك ضمن تشكيلات قتالية. وتزداد هذه المعضلة تعقيدا في ظل غياب إطار قانوني دولي ينظم تجنيد المدنيين خارج حدودهم، خاصة حين يتم ذلك عبر شبكات وساطة أو شركات خاصة، بعيدا عن الجيوش النظامية.

تتباين الروايات الرسمية بشأن هذه الممارسات، إذ تنفي بعض الأطراف استقطاب المقاتلين أو الضغط عليهم، بينما تبرز شهادات متداولة تتحدث عن حالات تجنيد تمت بطرق مباشرة أو غير مباشرة. وتدور بعض المزاعم حول استخدام التأشيرات كوسيلة ضغط، أو عن وجود قنوات استدراج تروج لفرص وهمية في العمل أو التدريب، قبل أن تنتهي بالمعنيين في مناطق النزاع.

تعكس هذه الظاهرة تحولا جوهريا في طبيعة الحروب الحديثة، التي باتت تتجاوز الحدود التقليدية للنزاع، لتمتد إلى فئات سكانية عابرة للقارات، تم الزج بها في صراعات لا صلة لها بها من حيث المنشأ أو الانتماء. كما تسلط الضوء على هشاشة الأطر القانونية الدولية المعنية بحماية الطلبة والعمال الأجانب، خاصة في سياقات الطوارئ أو النزاعات، وعلى الحاجة الملحة إلى آليات رقابية أكثر صرامة لمواجهة شبكات التجنيد العابر للحدود.

في ظل هذه المعطيات، تبقى أعداد المجندين وطبيعة العقود التي أبرمت معهم ومسؤولية الجهات المتدخلة، محاطة بالغموض، وسط صعوبة في الحصول على بيانات موثوقة من مناطق النزاع، وتعدد الروايات بشأن ظروف التجنيد والتبعات المترتبة عليه. كما تظل الإشكالات القانونية والأخلاقية المتعلقة بتجنيد المدنيين لأغراض عسكرية قائمة، في غياب تحقيقات دولية شاملة ومستقلة.

ويعكس هذا الملف أحد أوجه التحول الجيوسياسي الأوسع، حيث تندمج فيه معطيات الهجرة بالنزاع المسلح، وتتقاطع فيه دوافع اقتصادية فردية مع سياسات استراتيجية لدول كبرى، بما يعيد رسم ملامح العلاقات الدولية، ويطرح تحديات جديدة على الدول ذات الموارد المحدودة في ضبط حركة مواطنيها. ومع استمرار النزاع في أوكرانيا واتساع رقعته، يظل حضور المجندين الأفارقة في صفوف القتال قضية مفتوحة، ترتبط بسياقات أعمق تتجاوز الجغرافيا نحو تعقيدات السياسة الدولية الحديثة.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض