أفريقيا: تنافس متصاعد بين الصين وأمريكا على مشاريع البنية التحتية

تحرير: صفاء فتحي

تتصاعد ملامح التنافس الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة في القارة الأفريقية من خلال مشاريع البنية التحتية العابرة للحدود، إذ تسعى بكين إلى إعادة تأهيل خط سكة حديد تاريخي يربط زامبيا بتنزانيا، بينما تدعم واشنطن ممرا تجاريا استراتيجيا يمتد عبر أنغولا. ويعكس هذا التنافس تحولا في أنماط النفوذ الجيوسياسي بالقارة، في ظل تغيرات في أولويات التنمية والمساعدات الدولية.

يعد مشروع “سكة الحرية”، الذي شيدته الصين في سبعينيات القرن الماضي، أحد أبرز رموز حضورها في أفريقيا ما بعد الاستعمار، حيث قدمت بكين قروضا ميسرة وساهم آلاف العمال الصينيين في إنجازه إلى جانب السكان المحليين. وبلغ حجم النقل السنوي عبر هذا الخط، في ذروته، أكثر من مليون طن من السلع، بينها النحاس، بالإضافة إلى آلاف الركاب سنويا، قبل أن يتراجع بسبب نقص التمويل وسوء الإدارة.

تسعى زامبيا وتنزانيا حاليا إلى إعادة تأهيل هذا الخط الحيوي من خلال مفاوضات مع تحالف تقوده شركة صينية، ضمن صفقة تقدر قيمتها بمليار دولار، بهدف إحياء مسار تصدير استراتيجي يعزز الحضور الاقتصادي لبكين في المنطقة. وتعد هذه الخطوة جزء من نهج صيني أكثر مرونة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الخارجية، خاصة بعد التحديات التي واجهتها مبادرة “الحزام والطريق” في بعض الدول التي تعثرت في سداد القروض، من بينها زامبيا.

في المقابل، تراهن الولايات المتحدة على مشروع “ممر لوبيتو”، الذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية، ويهدف إلى نقل الموارد الطبيعية من زامبيا إلى الأسواق العالمية عبر أنغولا. وقد تم الاتفاق على المشروع خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن، عبر مؤسسة التمويل الدولية للتنمية، التي تعهدت بتوفير قرض بقيمة 553 مليون دولار ضمن نموذج استثماري يهدف إلى استقطاب القطاع الخاص.

ورغم قرار دونالد ترامب بتقليص ميزانية المساعدات الأمريكية، لا تزال بعض المؤسسات الأمريكية تواصل تمويل مشاريع استراتيجية تعتبرها أدوات فعالة لتعزيز نفوذ واشنطن في القارة. يعكس هذا التوجه تحولا في فلسفة المساعدات الأمريكية نحو نماذج أقرب إلى النهج الصيني، الذي يركز على الاستثمار في البنية التحتية عوضا عن الدعم الإنساني التقليدي.

وتواصل الصين، في المقابل، توسيع نفوذها من خلال مبادرات تنموية غير تقليدية، مثل إنشاء مزارع نموذجية بالتعاون مع جامعات أفريقية، تعنى بتطوير محاصيل مقاومة لتغيرات المناخ. تمثل هذه المشاريع امتدادا لما يعرف بـ“النفوذ الناعم”، عبر شراكات تنموية طويلة الأمد لا تدرج في خانة المساعدات المباشرة.

في الوقت ذاته، تخضع مؤسسة التمويل الدولية للتنمية الأمريكية لمراجعة داخلية من الإدارة الجديدة، بشأن أولوياتها وهيكلها، ومدى ضرورة إعادة توجيه استثماراتها نحو اقتصادات كبرى، أو اتخاذ مواقف أكثر صرامة إزاء الدول التي تحتفظ بشراكات واسعة مع الصين. ورغم ذلك، من المتوقع أن تواصل المؤسسة دعم مشروع ممر لوبيتو، إذ يرتقب صرف جزء من القرض خلال الفترة المقبلة.

يعكس هذا التنافس ملامح إعادة تشكيل النفوذ الدولي في أفريقيا، حيث تسعى القوى الكبرى إلى ترسيخ حضورها عبر مشاريع تنموية طويلة الأمد تعزز التكامل الإقليمي، وتتماشى مع أولويات التنمية في القارة، ضمن سياق دولي يتسم بتحولات متسارعة في موازين القوى والمصالح الجيوسياسية.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض