تداخل النزاعات والمناخ في القرن الأفريقي يفاقم أزمة النزوح

تحرير: صفاء فتحي

تشهد منطقة القرن الأفريقي تصاعدا غير مسبوق في الأزمات الإنسانية، إذ تتداخل النزاعات المسلحة مع التغيرات المناخية في مشهد معقد يهدد استقرار الإقليم، ويؤدي إلى موجات نزوح جماعي واسعة. ووفق بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ارتفع عدد النازحين في المنطقة إلى 20.75 مليون شخص بحلول مطلع 2025، مقارنة بـ20.42 مليون في أكتوبر 2024، ويعزى هذا التصاعد أساسا إلى تفاقم النزوح الداخلي في السودان.

 

تعد أزمة النزوح في السودان الأكبر في المنطقة، حيث بلغ عدد النازحين داخليا نحو 11.6 مليون شخص منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في يوليوز 2023، ما يجعلها واحدة من أكبر أزمات النزوح عالميا. ويواجه نحو 5.7 مليون منهم احتياجات ماسة في مجال المأوى، فيما يتركز معظم الفارين في إقليمي دارفور والخرطوم، حيث فر أكثر من نصفهم من العاصمة بسبب القصف والمعارك. وتعمق هذه الأوضاع المأساوية أزمة إنسانية حادة، في ظل ضعف الاستجابة الدولية، التي لم تفلح في كبح التصعيد العسكري أو تأمين حماية كافية للمدنيين، بينما امتدت تداعيات النزاع إلى دول الجوار مع لجوء أكثر من 4 ملايين سوداني إلى الخارج، خاصة نحو تشاد، جنوب السودان ومصر.

 

وفي الصومال، يواجه نحو 3.9 ملايين شخص أزمة نزوح داخلي معقدة، تفاقمت بفعل الصراعات المسلحة، الأحوال الجوية القاسية، والانهيار الاقتصادي. وقد تسببت الأمطار الغزيرة في ماي 2025 في مقتل عشرات وتضرر آلاف النازحين، ما زاد من هشاشة المخيمات والبنية التحتية. فيما أظهرت بيانات الأمم المتحدة تسجيل موجات نزوح جديدة مطلع العام نفسه، معظمها بسبب انعدام الأمن المستمر والمواجهات الداخلية، إضافة إلى موجات الجفاف المتكررة.

 

أما في إثيوبيا، فيقدر عدد النازحين داخليا بنحو 3.45 ملايين شخص، يعزى معظمهم إلى النزاعات المسلحة في إقليمي تيغراي وأوروميا، بينما ساهمت موجات الجفاف في تهجير مئات الآلاف. وفي جنوب السودان، أدت الاشتباكات بين الحكومة والمعارضة إلى نزوح نحو 1.8 مليون شخص، بينهم أعداد كبيرة خلال النصف الأول من 2025، في مؤشر على استمرار هشاشة الوضع السياسي والأمني.

 

أدت ظاهرة النينيو إلى تفاقم الأزمات المناخية التي أثرت على ملايين الأشخاص في الصومال، السودان، إثيوبيا، وجنوب السودان. واستمر الجفاف في تهديد حياة نحو 50 مليون شخص، متسببا في نزوح ما لا يقل عن 2.7 مليون شخص داخليا. في المقابل، تحتضن دول شرق أفريقيا نحو 5.8 ملايين لاجئ وطالب لجوء حتى ماي 2025، تتركز غالبيتهم في أوغندا، إثيوبيا، وكينيا، بينما تقل أعدادهم في الصومال.

 

يتزامن ذلك مع أزمة غذاء متفاقمة، حيث يعاني نحو 66.9 مليون شخص في المنطقة من انعدام الأمن الغذائي بنهاية يناير 2025. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 38 مليون شخص في دول الإيغاد يواجهون مستويات حادة من غياب الأمن الغذائي نتيجة النزاعات والتدهور الاقتصادي والمناخي. في الصومال وحده، يواجه الملايين خطر الجوع الحاد، ونزح عدد كبير منهم داخليا. في السودان، يهدد الجوع حياة ملايين الأشخاص، بينهم مئات الآلاف في حالة مجاعة فعلية، بينما يعيش ملايين آخرون في جنوب السودان أزمة غذائية شديدة.

 

تواجه الاستجابة الإنسانية تحديات متزايدة بسبب نقص التمويل، ما أجبر برامج الإغاثة على تقليص مساعداتها في بعض المناطق، في وقت يعتمد فيه أكثر من 23 مليون شخص في القرن الأفريقي على المساعدات الغذائية، وسط تحذيرات من أن تقليص الدعم الدولي قد يؤدي إلى وفيات جماعية.

 

إلى جانب النزوح الداخلي، تستمر الهجرة غير النظامية عبر البحر الأحمر في تهديد حياة الآلاف سنويا، وتبقى هذه المسارات من بين الأخطر عالميا، رغم انخفاض الأعداد في بعض الفترات. وتسجل تقارير حقوقية متواصلة وقوع انتهاكات جسيمة بحق المهاجرين على بعض الحدود، ما يفاقم من هشاشة أوضاعهم ويكشف محدودية آليات الحماية المتوفرة.

 

تبرز هذه الأوضاع المتداخلة هشاشة بنية الاستجابة الإنسانية وتضاؤل الأمل في حلول سياسية قريبة، بينما يستمر ملايين المدنيين في دفع ثمن الحروب والأزمات المناخية في منطقة القرن الأفريقي، التي بدت وكأنها تقف على حافة كارثة إنسانية شاملة يصعب احتواؤها في ظل ضعف التضامن الدولي.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض