غوتيريش من إشبيلية: العالم في مفترق الطرق والتنمية تحتاج إلى تمويل عادل وجرأة سياسية

تحرير: وداد وهبي

في مدينة إشبيلية الإسبانية، التي تحتضن هذه الأيام المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية (FFD4)، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نداء صريحا إلى قادة العالم: آن الأوان لتغيير المسار، فالتمويل الذي تحتاجه الدول النامية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة يواجه فجوة هائلة تقدر بـ4 تريليونات دولار. ومع تعثر المسار الأممي نحو تنفيذ أجندة 2030، أقر غوتيريش بأن التنمية باتت تواجه رياحا معاكسة “عاصفة”، وأن أزمة الثقة بين الدول والمؤسسات تشكل عائقا مزمنا أمام أي تقدم حقيقي.

أمام أكثر من 15 ألف مشارك من 150 دولة، بينهم أكثر من 50 رئيس دولة وحكومة، شدد غوتيريش على أن “التمويل هو محرك التنمية، وهذا المحرك يوشك على التوقف”. فثلثا أهداف التنمية المستدامة الـ17 لا تزال بعيدة المنال بعد مرور عشر سنوات على اعتمادها، وهو ما يتطلب تعبئة استثنائية وغير مسبوقة للموارد والاستثمارات، في حجمها وسرعتها، لإنقاذ ما تبقى من الأجندة الأممية.

وصفت وثيقة “التزام إشبيلية”، التي تم إقرارها في افتتاح المؤتمر دون مشاركة الولايات المتحدة، بأنها وعد عالمي جديد يعيد إحياء فكرة العدالة في تمويل التنمية، ويعطي دفعة للدول الأقل دخلا لترتقي في سلم النمو. وحدد الأمين العام للأمم المتحدة ثلاث أولويات حاسمة: أولا، تسريع تدفق التمويلات المحلية والدولية، وإلزام الدول الغنية بوفاء تعهداتها. ثانيا، إصلاح نظام الديون العالمية الذي وصفه بـ”غير العادل وغير المستدام”، مشيرا إلى أن الدول الفقيرة تدفع نحو 1.4 تريليون دولار كفوائد ديون سنوية. ثالثا، إعادة هيكلة النظام المالي العالمي ليصبح أكثر شمولا وتمثيلا، بما في ذلك نظام ضريبي عالمي تشارك في صياغته جميع الدول، لا القلة فقط.

و أكد غوتيريش أن الأزمة الحالية ليست فقط مالية، بل إنسانية بالأساس. فالعائلات تترك بلا غذاء، والأطفال دون تطعيم، والفتيات خارج مقاعد الدراسة. ووفق تعبيره هذا المؤتمر، ، ليس عملا خيريا، بل لحظة حاسمة لاستعادة العدالة وبناء مستقبل يستحقه الجميع.

واعتبر الملك الإسباني فيليبي السادس  أن المؤتمر يشكل انطلاقة جديدة لخريطة طريق عملية وقابلة للتطبيق. أما رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، فدعا إلى “الطموح بدل الشلل، والتضامن بدل اللامبالاة”، مشدداً على أن القرارات المتخذة في إشبيلية ستحدد مصير ملايين البشر.

من جهته، أكد لي جونهوا، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية، أن “إشبيلية ليست نهاية، بل بداية لعصر جديد من العمل والتضامن”، بينما شدد رئيس الجمعية العامة فيليمون يانغ على أن قيادة العالم تحتاج إلى شجاعة توجهه نحو مستقبل أكثر إشراقا وعدلا.

وفي مداخلات تقنية هامة، حذرت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، نغوزي أوكونجو إيويالا، من المخاطر المتزايدة التي تهدد النظام التجاري العالمي بسبب الإجراءات الجمركية الأحادية. ودعت إلى إعفاء الدول الأقل نموا، وخاصة في إفريقيا، من الرسوم العقابية حتى لا تقصى أكثر من النظام التجاري الدولي، بل تدمج فيه.

وأكد نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي، نايجل كلارك،بدوره أن الوقت قد حان لتوسيع القواعد الضريبية وبناء أنظمة مالية أكثر صلابة، مع ضرورة إصلاح آليات معالجة الديون لتكون أكثر إنصافاً.

وقد كانت رسائل المؤتمر واضحة فلا مستقبل لأهداف التنمية المستدامة دون شراكة عالمية عادلة وتمويل تضامني فعال، ولا نهوض للجنوب دون إصلاح جذري لآليات الاقتصاد العالمي. من إشبيلية، يتردد صدى إنذار عالمي: المستقبل ليس قابلا للتأجيل.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض