بين التوقيع والواقع: اتفاق الكونغو ورواندا يتجاهل M23 ويثير الشكوك

تحرير : وداد وهبي

وقعت كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، يوم الجمعة المنصرم كما هة معلوم، اتفاق سلام برعاية الولايات المتحدة، بهدف إنهاء النزاع المسلح الذي يعصف بشرق الكونغو منذ سنوات، و الذي أسفر عن سقوط آلاف الضحايا وتهجير مئات الآلاف من المدنيين. وقد نص الاتفاق على احترام السيادة الإقليمية ووقف الأعمال العدائية وانسحاب القوات الرواندية من الأراضي الكونغولية وتفكيك جماعة «قوات تحرير رواندا» (FDLR)،من أجل ضمان حماية المدنيين وتسهيل عودة اللاجئين والنازحين وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.

ورغم ما يحمله هذا الاتفاق من دلالات دبلوماسية، إلا أن غياب حركة M23 عن طاولة المفاوضات وعن بنود الاتفاق يثير تساؤلات جوهرية حول فاعليته ومآلاته على الأرض. فالحركة المسلحة، التي تمثل طرفا محوريا في النزاع، لم تدع للمشاركة في صياغة الاتفاق، كما لم يتم التطرق بشكل مباشر إلى مكاسبها العسكرية أو مناطق سيطرتها الممتدة منذ أكثر من ستة أشهر، بما فيها مدن استراتيجية كغوما وبوكافو.

وقد اعتبرالمحلل في مجموعة الأزمات الدولية، أونيسفور سيماتومبا، أن استبعاد M23 يشكل ثغرة حرجة في الاتفاق، مؤكدا أن معالجة النزاع دون إشراك أحد أطرافه الرئيسيين يضعف فرص التنفيذ ويقوض فرص السلام الحقيقي. وأضاف أن الحركة لم تعترف بأي من اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة، ما يجعل من استمرارية المعارك احتمالا قائما رغم توقيع الاتفاق.

ولم يأت البيان الأميركي المنشور عقب التوقيع  على ذكر M23 إلا بشكل هامشي، مشيرا إلى أن الحركة موضوع لمسار تفاوضي منفصل يفترض أن يستأنف في الدوحة، رغم تعثره حاليا. وفي الميدان، تواصل M23 عملياتها، وتشتبك مع مجموعات مسلحة محلية في مواجهات متقطعة، بينما تحافظ على وجود عسكري قوي في مناطق شاسعة من شمال وجنوب كيفو.

ورغم الترحيب الحذر من بعض الأوساط الشعبية في رواندا والكونغو، فإن الشكوك لا تزال قائمة حيال مدى قابلية الاتفاق للتطبيق في ظل تعقيدات الواقع الميداني، خصوصا أن بند تفكيك FDLR ألقيت مسؤوليته على كينشاسا، رغم أن هذه الجماعة تنشط في مناطق خارجة عن سيطرة الجيش الكونغولي. هذا ما دفع المحللين إلى وصف الاتفاق بأنه «رمزي أكثر منه عملي»، مالم يترافق مع خطوات ميدانية شاملة تضم جميع الفاعلين، بمن فيهم M23 وميليشيات “الوزاليندو”، التي تقاتل إلى جانب الجيش النظامي.

ويرتقب أن يلتقي الرئيسان فيليكس تشيسيكيدي وبول كاغامي في واشنطن الشهر المقبل، ضمن متابعة دبلوماسية للاتفاق. غير أن مراقبين يعتبرون أن أية ضغوط إضافية من الإدارة الأميركية، ولا سيما من الرئيس دونالد ترامب، ستكون ضرورية لدفع الأطراف إلى تنفيذ فعلي لبنود الاتفاق، وتحقيق اختراق حقيقي في مسار التسوية، لا سيما عبر إعادة إدماج M23 في العملية السياسية.

في ظل هذا السياق المليء بالتناقضات، يبقى مستقبل الاتفاق غامضا، فيما تستمر معاناة السكان في مناطق النزاع، وسط ترقب لمآلات المبادرات الدبلوماسية في واشنطن والدوحة.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض