آرثر آشي: أول رجل أسود يرفع كأس ويمبلدون… وآخر من خضع للصمت أمام العنصرية

تحرير: وداد وهبي

قبل خمسين عاما، دخل آرثر آشي التاريخ من أوسع أبوابه حين أصبح أول رجل أسود يفوز بلقب فردي الرجال في بطولة ويمبلدون، بهزيمته المفاجئة للمصنف الأول آنذاك، جيمي كونورز. لكن آشي لم يكن يسعى للخلود عبر التتويجات وحدها، بل من خلال رسالة أعمق: النضال ضد العنصرية بكل أشكالها.

“لا أريد أن أتُذكر فقط لأنني فزت ببطولة ويمبلدون… هذا أمر مهم، نعم، لكن ليس الأهم في حياتي”، هكذا قال آشي قبل عام من وفاته عام 1993، مؤكدا أن معركته الحقيقية كانت ضد الظلم العرقي، لاسيما نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

في السبعينيات، رفضت سلطات الفصل العنصري في جنوب إفريقيا مرارا منحه تأشيرة دخول، قبل أن توافق عام 1973 بشروطه، ومنها السماح للجمهور الأسود بدخول الملاعب. وقد أحدثت زيارته حينها جدلا واسعا داخل البلاد وخارجها، إذ اعتبرها البعض تطبيعا مع نظام قمعي، بينما رآها آخرون خطوة جريئة لتحديه من الداخل.

وقد روى الصحفي البريطاني ريتشارد إيفانز، الذي رافق آشي في تلك الجولة، كيف تعرّض اللاعب لهجوم لفظي من صحفيين سود، وُصف خلالها بـ”العبد المطيع”. ورغم ذلك، أصر آشي على لقاء الناس ورؤية الواقع بنفسه قائلاً: “لا يمكنني أن أنتقد بلداً لم أزره”.

في إحدى ضواحي جوهانسبورغ، سويتو، نظّم آشي تدريباً مفتوحاً للأطفال السود. من بين الحاضرين كان مارك ماثاباني، فتى في الثالثة عشرة من عمره، وصف تلك اللحظة قائلاً: “كان آرثر أول رجل أسود حر أراه في حياتي. أطلقنا عليه اسم ‘سيڤو’، أي الهبة في الزولو”.

وقد زرعت هذه الزيارة بذور حلم ظل يكبر في قلوب الشباب المحرومين، رغم أن مركز التدريب الذي أسسه لاحقاً تعرض للتخريب خلال انتفاضات الطلاب عام 1976، لكنه عاد للحياة في 2007 بفضل أرملته، ويضم اليوم مكتبة و16 ملعباً.

لم يكتفِ آشي بالمشاركة، بل أصبح من أبرز الوجوه العالمية المناهضة للفصل العنصري. حيث شارك في مظاهرات، وخطب في الأمم المتحدة والكونغرس الأمريكي، وشارك في تأسيس حركة “الفنانون والرياضيون ضد الفصل العنصري” مع المغني هاري بيلافونتي، مطالبا بفرض عقوبات على نظام بريتوريا.

وقد بلغت الحملة ذروتها باعتقاله أمام السفارة الجنوب إفريقية في واشنطن عام 1985، ما تسبب لاحقاً في فقدانه منصبه كقائد لفريق كأس ديفيس الأمريكي.

ورغم فوزه بثلاث بطولات كبرى (أستراليا، أمريكا، ويمبلدون)، إلا أن كثيرين، مثل ماثاباني، يعتبرون تأثيره الإنساني أعظم بكثير. “لقد حررني من كذبة التفوق العنصري، ومن الشعور بالدونية”، يقول الكاتب الجنوب إفريقي.

لم يعش آشي ليرى نيلسون مانديلا رئيسًا لجنوب إفريقيا، لكنه التقى به عام 1990 عقب خروجه من السجن. وكما استخدم مانديلا الرياضة للوحدة، فعلها آشي بطريقته، بجمع التنس والكرامة والنضال في قصة واحدة.

إرثه اليوم؟ معرض تكريمي في ويمبلدون، مركز تدريبي في سويتو، وشعلة ألهمت أجيالاً كاملة لتؤمن أن الرياضة ليست فقط سلسلة للانتصارات… بل سبيل للتغيير.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض