فرص روسيا في القارة الإفريقية ومدى جاهزيتها للتنافس الاقتصادي
(بقلم: محمد زاوي)
دخلت القارة الإفريقية، منذ مدة لا تقل عن عقدين من الزمن السياسي الدولي، مرحلة جديدة من تنافس القوى الدولية على مقدراتها الطبيعية والبشرية وإمكانات الاستثمار على أراضيها. وقد ولت كثير من القوى الدولية الكبرى والصاعدة وجهها باتجاه القارة الإفريقية بشكل غير مسبوق، في سياق يتجه فيه العالم نحو نظام دولي جديد تتعدد فيه الأقطاب. صحيح أن روسيا التحقت متأخرة بهذا التركيز على الاستثمار الاقتصادي في إفريقيا، إلا أنها أخذت تتدارك تأخرها في السنوات الأخيرة رغم الفرق الشاسع في حجم الاستثمار بينها وبين قوى جديدة كالصين مثلا، أو قديمة -ذات وجود تاريخي استعماري- كفرنسا على سبيل المثال.
ظلت روسيا لسنوات تستثمر في بيع السلاح لحلفائها من الدول الإفريقية، بالإضافة إلى تبادل المواد الأولية بينها وبين عدد من الدول الإفريقية الغنية بالمعادن والتي تظل في حاجة دائمة إلى المنتوجات الزراعية. غير أن روسيا الإتحادية غيرت، في السنوات الأخيرة، استراتيجيتها الاقتصادية في إفريقيا، وانتبهت إلى أهمية الاستثمارات الطاقية والتكنولوجية واللوجيستيكية والمالية في دول إفريقيا. فخرجت بذلك من منطقتين لطالما أعاقتا وجودها وتقوية موقعها الاقتصادي في القارة، وهما: أولوية الإيديولوجي على الجيوسياسي والاقتصادي، والاكتفاء في الاقتصاد بتبادل المواد الأولية (المنتوجات الزراعية، الغاز، النفط، المعادن).
في هذا الإطار يمكننا قراءة ما كشفه تقرير جديد للأمم المتحدة بخصوص شركة تعدين روسية تشتغل في رواندا، قال إنها متورطة في “تجارة غير شرعية للمعادن التي يتم استخراجها من مناطق النزاع في الكونغو الديمقراطية”. يعبر هذا التقرير عن مرحلة جديدة تدخلها القارة الإفريقية، يصبح فيها التنافس الاقتصادي أكثر حدة بتولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. لا تنظر الإدارة الأمريكية الجديدة إلى إفريقيا كمجال جغرافي للصراع السياسي والثقافي والحقوقي، أو لنقل بتعبير أدق: إنها لا تنظر إلى هذه الصراعات كوسيلة للربح؛ بل إن غايتها في إفريقيا لا تخرج عن غايتها في مختلف بلدان العالم، وهي منافسة الصين اقتصاديا في هذه البلدان وربط الإنتاج الاقتصادي الأمريكي بهذه المنافسة.
ليست روسيا في موقع المنافِس الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن علاقتها وشراكتها الاستراتيجية مع الصين قد تثير قلقا اقتصاديا في واشنطن. وإذا كانت فرنسا ستتراجع في بعض المواقع، خاصة تلك التي حدثت فيها انقلابات قريبة لروسيا مؤخرا (بوركينافاسو، النيجر، مالي)، فإن أمريكا لا تريد لهذا التراجع أن يتم على حساب مصالحها واستراتيجيتها الاقتصادية في إفريقيا. ولذلك يندرج العمل الأمريكي لمواجهة الوجود الروسي والصينية في القارة في خانات كبرى هي: الضغط على الدول الإفريقية نفسها، التفاهم مع روسيا والصين في بعض المواقع والمصالح، الاستفادة من الوجود الاقتصادي لقوى دولية في إفريقيا (مثل الهند وتركيا)، بناء تحالفات وشراكات مع الدول الإفريقية (استضافة ترامب لزعماء خمس دول إفريقية نموذج لذلك).
لقد أبانت الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة عن مشروع روسي لتدبير العقوبات الغربية، بل إن الحديث حول هذا المشروع نحا منحى أكثر من المتوقع عندما تحدثت تقارير عن قدرة روسيا على تأسيس نظام اقتصادي ونقدي قادر على منافسة الغرب.. وبعيدا عن المبالغة فإن الأمر ليس متعلقا بالطموح الروسي فحسب، وإنما بمدى قدرة روسيا على إقناع حلفائها وشركائها -ومنهم أفارقة- بمشروعها، وبموقف الصين من هذا المشروع خاصة إذا استحضرنا تشدد الصينيين في مراعاة الشروط الاقتصادية والسياسية التي تشجع المشروع الروسي من عدمه، وبالواقع الاقتصادي الروسي ومدى قدرته على تحقيق ذات المشروع..
ويبقى الوجود الروسي في إفريقيا محكوما بكل هذه الشروط: الربح الذي يقدمه لشركائه الأفارقة، الاستثمار الصيني في إفريقيا، القدرات الاقتصادية الروسية. بعض العوامل تضعف حظوظ موسكو في القارة السمراء، وهو ما يفتح الباب مشرعا أمام واشنطن وبكين. لا شك في استمرار الوجود الروسي في إفريقيا، وقدرته على التأثير فيها اقتصاديا وجيوسياسيا؛ إلا أن التنافس الصيني الأمريكي أكبر من أن تهدده دول من قبيل الهند واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية وتركيا الخ. وإذا كانت أمريكا قد اكتفت منذ عقود بمساحات يملأها الوسطاء والحلفاء، فيديو أنها عازمة في المرحلة الجديدة على المنافسة المباشرة في القارة الإفريقية.
-
تكتل بريكس وأفريقيا: تحولات جيوسياسية وفرص اقتصادية في مواجهة تحديات النفوذ
تحرير: عمر قادرتشكل مجموعة “بريكس” (BRICS) واحدة من أبرز التحالفات الاقتصادية والسياسية في العقود الأخيرة، إذ تجمع دولا ذات اقتصادات... تحليل جيوسياسي -
“سد النهضة” الإثيوبي.. عندما تتحول المياه إلى “قوة إنتاج” سيادية!
تحرير: ماهر الرفاعيتعتبر المياه ثروة طبيعية مملوكة لجميع البشر، إلا أن التقسيمات الترابية والاجتماعية، السياسية والاقتصادية، حولتها إلى “قوة إنتاج”... أفريقيا -
تحالف برلماني يجمع المغرب وموريتانيا والسنغال وغامبيا لتعزيز التعاون الإقليمي
تحرير: رضى الغزال يتجه العمل البرلماني في شمال وغرب إفريقيا نحو مرحلة جديدة مع الإعلان عن تأسيس تحالف يجمع المغرب وموريتانيا... التعاون الاقليمي والدولي -
استراتيجية ترامب في إفريقيا.. هل تجد طريقها للتنفيذ؟!
(بقلم: محمد زاوي)تتأسس السياسة الأمريكية الجديدة على عدد من الأسس، من أبرزها: نزع فتيل النزاعات السياسية والعسكرية في مناطق التوتر... تحليل جيوسياسي -
بين التوقيع والواقع: اتفاق الكونغو ورواندا يتجاهل M23 ويثير الشكوك
تحرير : وداد وهبي وقعت كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، يوم الجمعة المنصرم كما هة معلوم، اتفاق سلام برعاية الولايات... تحليل جيوسياسي -
الوكالة الدولية للطاقة الذرية: قدرات إيران النووية ما تزال قائمة
تحرير: صفاء فتحيأكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، أن طهران قد تستأنف تخصيب اليورانيوم خلال الأشهر المقبلة،... إيران