برمبر الصومالي: الشعر كأداة مقاومة وإعادة بناء الوعي النسوي

تحرير: صفاء فتحي

توظف النساء في الصومال الشعر كوسيلة فعالة للمقاومة والتعبير عن المعاناة، من خلال نمط شعري نسائي فريد يعرف بـبرمبر، الذي تحول إلى صوت ثقافي بارز في مواجهة الهيمنة الذكورية والتحديات السياسية والاجتماعية. لم يكن هذا الشكل من الشعر الشفهي مجرد تعبير فني أو ترف جمالي، بل أداة سياسية وثقافية استخدمت لإعادة صياغة الهوية الجماعية وتوثيق تجارب النساء خلال فترات الاستعمار والحروب.

برز برمبر في فترة الاحتلال البريطاني، خصوصا عقب تنازل بريطانيا عن جزء من أراضي الصومال لصالح إثيوبيا، حيث لجأت النساء إلى القصيدة للاحتجاج والتعبير عن رفضهن للقرارات الاستعمارية التي طالت مجتمعاتهن. أتاح هذا الشعر للنساء مساحة للمشاركة في الخطاب الوطني، وأعاد تقديمهن كفاعل أساسي في صياغة التاريخ، بعيدا عن الصورة النمطية التي اختزلتهن في دور الضحية أو الكيان الهامشي.

ورغم الأهمية الكبيرة لهذا التعبير الشعري بوصفه وثيقة ثقافية وتاريخية، لم يحظ بالاعتراف الكافي في الأوساط الأكاديمية ولا في السياسات المتعلقة بحقوق الإنسان، حيث غالبا ما جرى التعامل معه كجزء من التراث الشعبي، من دون إدراك قيمته في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي للمرأة الصومالية.

عرفت النساء خلال الحرب الأهلية تراجعا كبيرا في مكتسباتهن، وتعرضن لعنف ممنهج، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية، التي استخدمت كوسيلة لترهيب المجتمعات وتفكيكها. ومع انهيار مؤسسات الدولة، ازدادت هشاشة أوضاع النساء، وكشفت الأحداث عن قصور في تطبيق المواثيق الدولية المتعلقة بحمايتهن وبتكريس حرية التعبير، خاصة في سياقات النزاع.

ساهم هذا الواقع في تهميش تجارب النساء في التحليلات السياسية والتاريخية، حيث ظل التركيز منصبا على الأدوار الذكورية التقليدية، متجاهلا قصص الصمود وإعادة البناء التي قادتها النساء بعيدا عن الأضواء. في هذا السياق، شكل برمبر أداة توثيق ومقاومة، منح النساء فضاء للتعبير في مجتمع شفهي، استطعن من خلاله كسر الصمت وفرض حضورهن.

تبرز تجربة برمبر أهمية الثقافة كشكل من أشكال المقاومة، ودورها في مواجهة العنف والتهميش، خاصة في البيئات التي تفتقر إلى آليات الحماية القانونية والمؤسساتية. وتتيح إعادة قراءة هذا التراث الشعري فهما أعمق لدور النساء في الصراعات، إعادة التفكير في مفاهيم العدالة، والتمثيل في المجتمعات التي تعاني من الحروب.

يجسد برمبر نموذجا فريدا يوضح كيف يمكن للكلمة أن تتحول إلى أداة مقاومة، وكيف للثقافة أن تسهم في بناء وعي جماعي يواجه الصمت ويدافع عن الحقوق. هذه القصائد، التي كتبتها نساء واجهن ظروفا قاسية، تقدم درسا إنسانيا في الصمود، القدرة على التعبير رغم التحديات، وتدعو إلى إعادة الاعتبار للدور الثقافي والسياسي للمرأة في التاريخ الصومالي.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض