هل تصمد تونس أمام ضغوط ترامب؟!

(بقلم: محمد زاوي)

خضعت تونس لنفس المخططات الاستعمارية التي خضعت لها غيرها من دول الجنوب، خاصة تلك التي عرفت نموذجا للدولة قبل تدخل النظام الاستعماري. فقد تم اختراق تونس بالرأسمال البضائعي، وكذا إخضاعها لسياسة الديون الأجنبية؛ وذلك قبل التشكل الفعلي للاستعمار (1881) والذي بدوره مرّ بمراحل: نهب المِلكيات العقارية، التحويل القسري لجزء من الأنماط الاجتماعية القديمة (حسب مصلحة الاستعمار)، تثبيت الرأسمال في البوادي (الرأسمال الزراعي) والمدن (الرأسمال الصناعي/ الخدماتي/ المالي)، التمكين لرأسمالية الدولة المستعمِرة، فسح المجال للرأسمال الخاص. هذه كانت هي السياسة الفرنسية، وقد نفذتها في المغرب كذلك.

وهكذا فقد قلب الاستعمار الفرنسي النظام الاجتماعي في تونس لصالحه، بمحاصرة الحرفة التقليدية والتجارة المحلية في أسواق المدن، وبنزع ملكية الأرض من الفلاحين الصغار ووضعها تحت تصرف الرأسمال الزراعي الفرنسي في القرى. وهذا ما يسميه رضا الزواري ب”تسرب الرأسمالية إلى تونس في عهد الحماية” في كتاب له بهذا العنوان. إنها عملية معقدة كان الغرض منها “تفتيت العلاقات الما قبل رأسمالية في تونس عبر عملية تاريخية معقدة”، وتمت بالسطو المباشر على الأراضي، وفرض قوانين استعمارية، وفرض ضرائب وقروض ربوية، والتفتيت حسب مصلحة الاستعمار (في حدود معينة/ جزئيا لا كليا). (رضا الزواري، تسرب الرأسمالية إلى تونس في عهد الحماية، ص 63/ 67-92).

وبعد استقلالها (1956)، دخلت تونس كغيرها من دول الجنوب مرحلة جديدة من التبعية الاقتصادية هذه أبرز عناوينها: تفاقم الاقتراض من المؤسسات الدولية الدائنة، وضعف الاقتصاد، وقلة الموارد، وعجز الميزانية.. وفي هذه الشروط تعاني تونس اليوم من تراجع قدراتها الاستثمارية، كما تعاني عجزا عن الخروج من أزمة ديونها تمهيدا للحصول على ديون جديدة تسد حاجتها للاستثمار، وليس أمامها غير ثلاثة سبل: اتباع سياسة تقشفية تثير غضب الفئات الاجتماعية الوسطى والدنيا (عمال وفلاحين وكادحين)، أو سياسة ضريبية صارمة تستهدف الرأسمال وتضعف الوطني منه، أو سياسة الاقتراض من بعض دول الإقليم وتقديم تنازلات سياسية ودبلوماسية لمصلحتها (العلاقة بالجزائر نموذجا)، الخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي وما تكرسه من تفاقم للمديونية.

في هذا الواقع الذي لم تكد تونس تجد حلولا ناجعة للخروج منه، فاجأها الرئيس الأمريكي ترامب بضغط اقتصادي جديد إثر إعلانه “فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات القادمة منها”، ومنحها ودولا أخرى مهلة 20 يوما لـ”مراجعة قراراتها الاقتصادية ومواقفها والتفاوض مع الإدارة الأمريكية الجديدة”، حسب ما صرحت به المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت. فكيف نفهم هذه القرارات الأمريكية تجاه تونس؟ كيف لتونس أن تتصرف في مواجهة الضغط الأمريكي وقد عجزت عن تدبير واقع اقتصادي لم تكن قد بلغته ضغوط ترامب بعد؟ وما نوع النازلات التي على تونس تقديمها في علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية حتى تدفع عنها بلاء “الرسوم الجمركية الترامبية”؟

ليست تونس استثناء في تعامل إدارة ترامب مع مختلف دول العالم، بل إنها حرب اقتصادية واحدة تتم لدى ترامب بمبررين: التقليل من حجم العجز التجاري الذي يميز علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بعدد من الدول منها تونس (العجز التجاري: ارتفاع نسبة الواردات مقارنة مع الصادرات في الموجهة إلى دولة ما)، مواجهة ما يسميه ترامب “العداء الاقتصادي لأمريكا” وهذا موقف ترامب من دول “بريكس” أساسا. الحالة التونسية أقرب إلى الحالة الأولى منها إلى الحالة الثانية، ولذلك فإن الإدارة الأمريكية تشترط على تونس توخي “رفع الرسوم الجمركية” بالاستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية.. وهذا استثمار يستفيد منه ترامب من جهتين: من جهة تخفيف تكلفة الاستثمار الأمريكي داخل أمريكا، ومن جهة ربح أكبر قدر من الوقت في تحويل البنية الإنتاجية الأمريكية إلى بنية إنتاج مدنية قوية قادرة على المنافسة في السوق العالمية وكبح الطموحات الاقتصادية للـ”مجمع الصناعي العسكري”.

ومن غير المستبعد أن يشمل التفاوض مع تونس مسائل أخرى غير اقتصادية، ومرتبطة باستراتيجية ترامب في المغرب العربي. وعليه فمن المتوقع أن تقدم تونس تنازلات في هذا الاتجاه ما دامت غير قادرة على تقديم تنازلات اقتصادية في ظل ظروفها الاقتصادية والمالية الصعبة كما تقدم، ومن المتوقع أيضا أن تقترب تونس أكثر إلى استراتيجية ترامب، خاصة إذا استحضرنا التفاهم الحاصل بين ترامب وعدد من الدول الأوروبية (فرنسا/ إسبانيا/ بريطانيا/ الخ) بخصوص الحاجة إلى استقرار المغرب العربي بواجهتية المتوسطية والأطلسية في أفق خلق مجال استثماري كبير بشراكة مع دول مغاربية وإفريقية.. وبالتالي فلا يُستبعَد أن تقدم تونس تنازلات من النوع السياسي، إذا كانت قدراتها الاقتصادية أضعف من مجاراة طموح ترامب الاقتصادية. ولكنه تنازل سياسي بأفق اقتصادي سيفرض على تونس قرارات خارجية جديدة، وربما تحالفات جديدة!

 

 

 

 

 

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض