أمريكا وجنوب إفريقيا.. علاقات على المِحكّ!

(بقلم: محمد زاوي)

لم يكن تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 30 ٪ على جنوب إفريقيا، ليمر دون رد رسمي من الأخيرة. وفي ذات الصدد، أصدرت رئاسة كيب تاون بيانا ترفض فيه ما جاء على لسان ترامب، معتبرة قابلية الرسوم الأمريكية للتعديل بناء على نتائج المباحثات إشارة إيجابية من الجانب الأمريكي.

إلا أن هذا المستجد ينزل بثقله على جنوب إفريقيا لعدة اعتبارات، أبرزها الشراكة التجارية التي تجمعها بالولايات المتحدة الأمريكية، والتي تحتل فيها هذه الأخيرة المركز الثاني بعد دولة الصين. فهل أمام جنوب إفريقيا فرص لمواجهة التحدي الأمريكي الجديد؟ وماذا تريد “أمريكا ترامب” من كيب تاون بالضبط؟

سبق لدونالد ترامب التصريح بأن جنوب إفريقيا “تتبنى سياسات عدائية” تجاه الولايات المتحدة الأمريكية؛ فما الذي يقصده ترامب بهذه العبارة بالذات؟ وهل تعادي “كيب تاون” السياسات الأمريكية فعلا؟ وهل كان ترامب يريد بإحراجه للرئيس الجنوب إفريقي، قبل حوالي شهر داخل البيت الأبيض، الدفاع عن حقوق المزارعين البيض في جنوب إفريقيا؛ أم أن الأمر كان أشبه بكشف لتناقض “كيب تاون” التي تتبنى سياسات حقوقية في عدد من الملفات الإقليمية والدولية؟

الأرجح في كل هذا أن ترامب لا يشذ في معاملته لجنوب إفريقيا عن معاملته لباقي دول القارة وكافة دول العالم، ومفاد هذه المعاملة: الضغط من أجل تحسين المردود الاقتصادي الأمريكي في السوق العالمي، وتحقيق الظروف الجيوسياسية القابلة لاستراتيجية ترامب في عدد من مناطق التوتر.

والأهم والاستراتيجي بالنسبة للإدارة الأمريكية الجديدة هو تجريد الصين من أبرز عوامل قوتها، وعلى رأس ذلك علاقاتها بحلفائها وشركائها، خاصة في مجموعة “بريكس” التي تعتبر جنوب إفريقيا عضوا مؤسسا وفاعلا فيها. إن هذه الفاعلية الجنوب إفريقية لا ينبغي أن تكون على حساب المصالح الأمريكية، وإلا فإن الردع سيكون اقتصادي يفرض رسوم جمركية مرتفعة؛ هكذا يفكر ترامب.

إن جنوب إفريقيا، في نظر الإدارة الأمريكية الجديدة، لا تقف عند حدود هذه الفاعلية الاقتصادية والسياسية داخل مجموعة “بريكس”؛ بل إتتعداها بين الفينة والأخرى فتدخل حيز “الخصومة التكتيكية” مع استراتيجية ترامب، وذلك من خلال تبنيها لعدد من القضايا التي تربك حسابات الولايات المتحدة الأمريكية (“أمريكا ترامب”) في القارة الإفريقية أو خارجها.

هذا الطموح الجنوب إفريقي في نظر ترامب، يعرقل تنزيل رؤيته الاقتصادية في إفريقيا ويعزز فرص خلق إمكان سياسي واقتصادي جديدا ينافس المصالح الغربية (الأوروبية-الأمريكية) في القارة. هذا الموقع يجعل جنوب إفريقيا بمثابة آلية رقابية وتنفيذية يستفيد منها “البريكس” في إفريقيا، بل وآلية استقطابية قد تعزز الوجود الإفريقي في ذات المجموعة.

هل أمام جنوب إفريقيا اختيارات للتصدي؟ ليس أمامها غير ثلاثة اختيارات:

-الوقوف في وجه الضغط الأمريكي وممارسة ضغط عكسي تجاه إدارة ترامب. وهنا نتساءل: ما نوع وسائل الضغط الاقتصادية التي تمتلكها جنوب إفريقيا؟ وهل تستطيع هذه الوسائل فرض نوع من التوازن مع الضغط الأمريكي؟

-اللجوء إلى الصين لتجاوز حالة العجز التي سيخلفها القرار الأمريكي بفرض رسوم جمركية مرتفعة على جنوب إفريقيا، غير أن الصين وكافة دول “بريكس” لا تشتغل بمنطق “الحلف الإيديولوجي”، وإنما بمنطق المجموعة التي تحترم الاختيارات الاقتصادية لأعضائها. وكما أن لجنوب إفريقيا اختيارات خاصة، فإن للصين اختيارات خاصة كذلك.

-الخضوع لضغوط أو الجزء منها كنتيجة المحادثات الجارية بين الطرفين إلى غاية بداية الشهر المقبل، وهذا هو السيناريو الأرجح إذا استحضرنا محدودية الإمكانات أمام جنوب إفريقيا في تدبير علاقتها بثاني أكبر شريك تجاري لها.

لم يكن الضغط الأمريكي الصارم في مواجهة جنوب إفريقيا ليكون بهذه الحدة لو قدرّت الإدارة الأمريكية أن جنوب إفريقيا قادرة على المناورة، فكيف بالصمود؟! تسعى أمريكا إلى إخضاع جنوب إفريقيا ولو جزئيا لاستراتيجيتها الاقتصادية والسياسية في إفريقيا، وهذا ما قد تحصل على بعض منه على الأقل.

ولو كانت جنوب إفريقيا قادرة على المواجهة، لما طار رئيسها سينيل رامافوسا إلى البيت الأبيض في زيارة رسمية قبل أسبوع، ولما استبشر بتعيين ترامب لجنة تتولى إجراء مباحثات تجارية مع “كيب تاون”، ولما انحنى لعاصفة ترامب وهو يتهم بلاده بـ”العنصرية ضد البيض” خلال لقائهما بالبيت البيضاوي.

 

 

 

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض