المؤهلات الاقتصادية للدول الإفريقية التي استقبلها ترامب

محمد زاوي

لو أن دونالد ترامب استقبل مصر والمغرب وجنوب إفريقيا ونيجيريا مثلا، لجاز لنا القول إنه يسعى إلى مناقشة الواقع الإفريقي ومستقبل القارة الإفريقية مع قواها الاستراتيجية والكبيرة، ولجاز لنا الحديث عن استراتيجية أمريكية-إفريقيا أراد ترامب عرضها أمام الدول الإفريقية الكبرى. ولكن الذي حصل هو أن ترامب استضاف، اليوم الأربعاء في البيت الأبيض، كلا من رؤساء دول الغابون وليبيريا وغينيا بيساو والسنغال وموريتانيا.

وهنا نتساءل: لماذا قرر الرئيس الأمريكي استضافة رؤساء هذه الدول دون غيرها؟ هذا المقال محاولة للإجابة على هذا السؤال.

قبل الحديث عن المؤهلات الاقتصادية للدول الخمس التي استضافها ترامب، يجب التنبيه إلى أنها تنتمي إلى مجال جغرافي واحد هو: غرب إفريقي يطل على المحيط الأطلسي، وبالتالي فلا يفصلها عن أمريكا إلا هذا المحيط. ولذلك فهي تشكل واجهة من الواجهات الأطلسية التي يريد أن يتخذ منها ترامب قاطرة اقتصادية نحو إفريقيا، وبالتالي فالعلاقة بها جزء أساسي من استراتيجيته في القارة.

أما بخصوص المؤهلات الاقتصادية للغابون وليبيريا والسنغال وغينيا بيساو وموريتانيا، فلا يهمنا منها إلا تلك التي قد يراهن عليها ترامب مستقبلا.

تتوفر ليبيريا على مخزون مهم من المعادن مثل الحديد الخام والذهب والماس، بالإضافة إلى معادن أخرى يُتوقَّع اكتشافها من قبيل المنغنيز والبوكسيت.. وهي معادن بعضها مكتشَف في حدود معينة، وبعضها الآخر ما زال تحت الأرض يحتاج إلى تنقيب واستخراج. إنه مجال خصب لاستثمار شركات التنقيب الأمريكية، كذا للحصول على حصص من بعض المعادن النادرة والتي أصبحت تثير المنافسة في مجال صناعة السيارات الكهربائية.

ليست ليبيريا وحدها التي تتوفر على مخزون مهم من المعادن، بل كذلك غينيا بيساو التي تتوفر على مخزون من الفوسفات والبوكسيت الذي لا تستفيد منه إلا بشكل محدود، وكذلك السنغال التي تتوفر على كميات مهمة من الفوسفات تعتمدها في عمليات التعدين والتصنيع (الأسمدة). ونفس الأمر يمكن قوله عن الغابون التي تعتمد المنغنيز كمورد رئيسي في الإنتاج، بالإضافة إلى مخزونها الكبير من الحديد الخام. أما موريتانيا فهي دولة إفريقية مغاربية غنية بالمعادن (الحديد، النحاس، الذهب، الفوسفات، الخ) والمعادن النادرة من قبيل الفاناديوم والرمال السوداء واليورانيوم الخ.

وتشترك هذه الدول الخمس، ليبيريا والغابون والسنغال وغينيا بيساو وموريتانيا، في توفرها على أراضٍ زراعية شاسعة تحتاج إلى رأسمال زراعي يفلحها ويحييها بالإنتاج الزراعي المتقدم، أو إلى رأسمال صناعي يبني عليها مصانع توفر المنتوجات الصناعية لدول القارة أو تعمل على تصنيع المنتوجات الزراعية بالقرب من مكان إنتاجها (أي الأراضي الزراعية).

تحتاج هذه الدول في مشاريعها الزراعية أيضا، إلى الأسمدة الزراعية ومعدات الري وتقنيات الزراعة والتحصيل الزراعي. وهذا مجال لا ينبغي أن يُترك خاليا للصين التي تحسن الاستثمار فيه، فأمريكا وشركاتها واستثماراتها أولى به.

وتتوفر ذات الدول، ككثير من الدول الإفريقية، على إمكانات هائلة للاستثمار في الطاقات المتجددة والبديلة، مثل الطاقة الشمسية والطاقة الريحية والطاقة الهيدروجينية.. إن أمريكيا، بمنظور إدارتها الجديدة (إدارة ترامب)، تسعى للاستثمار في هذه المجالات الطاقية واقتحام غمارها ومنافسة الصين وألمانيا (الخ) عليها. ولن تكون الدول الإفريقية الخمس مواقع لإنتاج الطاقات البديلة فقط، وإنما لتوزيعها وتسويقها لباقي دول القارة أيضا.

القمة الأمريكية-الإفريقية (الخماسية)، بهذا التحليل، مقدمة لمنافسة الصين على الاستثمار الطاقي في القارة الإفريقية. هذا ما يجب أن تعيه الدول الإفريقية، في مجال الطاقة وفي غيره، بهدف الاستفادة من تناقض الاقتصادين الأمريكي والصيني إفريقيا ودوليا.