التدخلات العسكرية في إفريقيا: بين حماية الأمن وترسيخ المصالح

تحرير: صفاء فتحي

تتوالى التدخلات العسكرية الأجنبية في إفريقيا منذ عقود، مثيرة نقاشات واسعة حول أهدافها بين حماية السكان وتعزيز الأمن من جهة، وتحقيق مصالح اقتصادية وجيوسياسية من جهة أخرى. تعود جذور هذه التدخلات إلى فترة ما بعد الاستعمار، حين تحولت القارة إلى ساحة تنافس بين القوى الكبرى، خاصة في ظل امتلاكها موارد طبيعية غنية مثل المعادن، المواد الخام، ومصادر الطاقة.

تعتمد الدول المتدخلة في العادة على مبررات إنسانية، مثل دعم الاستقرار ومساعدة الحكومات في مواجهة التحديات الأمنية، غير أن قراءة أعمق للمشهد توضح ارتباط هذه التحركات بضمان النفوذ والحفاظ على المصالح الاستراتيجية في مناطق تشهد هشاشة سياسية وأمنية. في مالي مثلا، ساهم التدخل الفرنسي في الحد من تمدد الجماعات المسلحة، لكنه في المقابل أثار جدلا واسعا بشأن أبعاده الحقيقية، مع تصاعد الأصوات المحلية الرافضة للوجود العسكري الأجنبي.

يبرز الواقع الإفريقي ضعف المؤسسات الأمنية في عدة دول، ما يفتح المجال أمام تدخلات خارجية تحت شعار دعم الاستقرار، في حين تنتهي هذه التدخلات غالبا بإعادة ترتيب موازين القوى الداخلية أكثر من بناء قدرات مستقلة. وفي بعض الحالات، مثل ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، أسهمت هذه التدخلات في تعقيد الأوضاع الداخلية، مما يعكس صعوبة تحقيق الأهداف المعلنة في ظل تضارب المصالح الإقليمية والدولية.

يظهر تزايد الحضور العسكري لقوى دولية، مثل روسيا عبر شركات أمنية خاصة، والولايات المتحدة من خلال قواعد عسكرية متعددة، تحول إفريقيا إلى ساحة تنافس جديدة، حيث تنتقل حماية الأمن في كثير من الأحيان إلى غطاء لمصالح اقتصادية وسياسية. يفرض هذا الوضع على القارة تحديات كبرى، تتمثل في البحث عن شراكات تحترم السيادة الوطنية وتدعم التنمية المستدامة، مع مواجهة التدخلات التي قد تزيد من الانقسامات الداخلية.

يرتبط مستقبل إفريقيا بمدى قدرة دولها على تعزيز مؤسساتها، وبناء سياسات مشتركة تحمي مصالحها بعيدا عن التأثيرات الخارجية. يظل الرهان الأكبر في تمكين الشعوب من صياغة اختياراتها بحرية، بما يضمن عدم تحول القارة إلى ساحة تنافس بين القوى الكبرى.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض