إيديولوجية التوفيقية الإفريقية: رؤية تتبناها شعوب القارة لإعادة تشكيل هويتها

تحرير: رضى الغزال

تشهد القارة الإفريقية في الوقت الراهن دينامية ثقافية متسارعة تتجلى في بروز مفهوم “التوفيقية الإفريقية”، الذي يقصد به التداخل والمزج بين مختلف الثقافات والديانات ضمن إطار اجتماعي وفكري يفسر خصوصية الهوية الإفريقية من منظور الانفتاح والتفاعل المستمر، لا من زاوية الانغلاق أو التقوقع.

ترتكز هذه المقاربة على فكرة مركزية مفادها أن هوية إفريقيا لم تتشكل يوما في عزلة تامة، بل كانت على الدوام نتاجا لتفاعلات وتأثيرات متبادلة مع محيطها العالمي، سواء في العصور القديمة أو إبان فترات الاستعمار وما أعقبها. وبذلك، لم تكن التقاليد الإفريقية معزولة أو نقية بصورة مطلقة، بل ظلت قابلة للانفتاح على المؤثرات العربية والأوروبية والآسيوية، ما أفرز منظومات اجتماعية وثقافية ودينية فريدة ومركبة عبر القارة.

تتجسد التوفيقية الإفريقية بوضوح في عمليات الدمج بين الديانات والممارسات المحلية التقليدية من جهة، والديانات الوافدة مثل المسيحية والإسلام من جهة أخرى، ما أسفر عن نشوء ممارسات وأنظمة معتقدات هجينة تحمل بصمة مقاومة ثقافية ومسعى لاستعادة التراث المحلي. وقد تعزز هذا المنظور مع بروز حركات النهضة الثقافية في غرب ووسط إفريقيا، وخاصة في دول مثل السنغال ونيجيريا وساحل العاج وغانا، حيث أسهم مفكرون بارزون من قبيل ليوبولد سيدار سنغور (السنغال)، كوامي نكروما (غانا)، وولي سوينكا (نيجيريا) في بلورة رؤية لهوية إفريقية ديناميكية تتجاوز النزعة نحو النقاء الثقافي الأحادي.

ولا تقتصر هذه العملية الديناميكية على مجرد تقليد أو تكييف سلبي، بل تعبر عن فعل واعٍ يهدف إلى تأكيد الهوية الجماعية ومقاومة مختلف أشكال التهميش، خصوصا في سياق الضغوط الاستعمارية. وقد أسهم هذا المسار في ظهور حركات وكنائس إفريقية تجمع بين العقائد المسيحية والممارسات الروحية المحلية، إلى جانب بروز ديانات مختلطة في الشتات، لاسيما في الأمريكيتين، تحمل دلالات التفاعل العميق بين الأصول الإفريقية والتجارب الجديدة.

تلعب التوفيقية الإفريقية دورا محوريا في تعزيز أواصر المجتمع وتوفير الإحساس بالانتماء، خاصة في فترات الأزمات والتحولات الكبرى، كما تجسد استجابة جماعية تهدف إلى تحرير الدين والمجتمع من هيمنة السرديات الاستعمارية. ورغم وجود انتقادات ترى في التوفيقية نوعا من التهديد للخصوصيات المحلية أو وسيلة لتجاوز بعض الصراعات، إلا أنها تظل في جوهرها فلسفة تراهن على التعددية والانفتاح، مع الإيمان بقدرة المجتمعات الإفريقية على إعادة بناء هويتها بصورة مستمرة ومتجددة.

وتبقى التوفيقية الإفريقية نموذجا أصيلا لتفاعل الشعوب الإفريقية مع تحولات العصر، ودليلا على مرونة الهويات الثقافية وقدرتها على إعادة التشكل دون فقدان العمق التاريخي والأصالة.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض