جيبوتي: بوابة لوجستية استراتيجية في قلب القرن الإفريقي

تحرير: صفاء فتحي

تحتل جيبوتي موقعا استراتيجيا بارزا كمركز لوجستي رئيسي في منطقة القرن الإفريقي، حيث تسيطر على ممرات بحرية حيوية تربط بين قارات إفريقيا، آسيا، وأوروبا. يستفيد هذا الموقع الجغرافي من قربه لمضيق باب المندب، الذي يشكل نقطة تقاطع رئيسية لحركة السفن العابرة بين البحر الأحمر وخليج عدن، مما يمنح موانئ جيبوتي دورا حيويا في التجارة العالمية وحركة الطاقة. تعتمد دول حبيسة مثل إثيوبيا على جيبوتي بشكل أساسي لاستيراد وتصدير البضائع، ما يجعل موانئها عقدة لا غنى عنها في سلاسل الإمداد الإقليمية والدولية.

شهدت جيبوتي خلال العقدين الأخيرين تطورا ملحوظا في بنيتها التحتية البحرية واللوجستية، حيث استثمرت في إنشاء موانئ عميقة ومتقدمة تقنيا، ومناطق اقتصادية حرة، ومحطات حاويات تواكب أعلى معايير الصناعة. أتاح هذا التطوير استقطاب شركات الشحن الكبرى ومشغلي الخدمات اللوجستية، مما دفع باقتصاد البلاد نحو تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على قطاعات محدودة. إلى جانب ذلك، ساهمت جيبوتي في تعزيز التكامل الاقتصادي عبر دعم مبادرات الربط بين دول الجوار وتسهيل تدفق التجارة عبر الحدود.

رغم هذه الإنجازات، تواجه جيبوتي تحديات كبيرة تتطلب استراتيجيات مرنة ومستدامة. يعتمد اقتصادها بشكل كبير على الواردات والإمدادات القادمة من إثيوبيا، الأمر الذي يجعلها عرضة لتقلبات سياسية وأمنية قد تؤثر على استقرار حركة البضائع. كما تواجه البنية التحتية تهديدات بيئية متزايدة نتيجة التغير المناخي وارتفاع مستويات سطح البحر، مما يستدعي خططا لتعزيز مرونة المنشآت وتحسين قدرات التكيف. في هذا السياق، تبذل الحكومة جهودا لتطوير سياسات لوجستية شاملة، مستفيدة من شراكات دولية ودعم مالي وتقني لتعزيز مكانتها في الأسواق العالمية.

يلعب التنوع في العلاقات الدولية دورا مهما في تعزيز موقع جيبوتي، حيث تستضيف قواعد عسكرية واستراتيجية تابعة لقوى كبرى، ما يضيف بعدا جيوسياسيا إلى دورها الاقتصادي. تحافظ جيبوتي على توازن دقيق بين هذه المصالح المتعددة، مما يساعدها على استقطاب الاستثمارات والحفاظ على أمنها الإقليمي. وتسعى في الوقت ذاته إلى تحقيق تنمية شاملة مستدامة تعود بالنفع على سكانها، عبر تطوير قطاعات النقل والتجارة والصناعة اللوجستية.

يبقى موقع جيبوتي الفريد ورؤيتها الاستراتيجية في تطوير البنية التحتية والقدرات اللوجستية عوامل أساسية في ترسيخ مكانتها كبوابة رئيسية تعزز حركة التجارة وتربط بين الأسواق الإقليمية والعالمية. يتطلب هذا الدور توجيه الاهتمام نحو إدارة المخاطر وتعزيز التنسيق الإقليمي لضمان استمرار هذه المكانة الحيوية في ظل تحديات ومتطلبات تطور عالمي سريع.