اللغات المحلية المهددة بالانقراض في جمهورية إفريقيا الوسطى

تحرير: ماهر الرفاعي

تواجه اللغات المحلية في جمهورية إفريقيا الوسطى تهديدا متزايدا بالانقراض، نتيجة لتداخل عوامل اجتماعية، سياسية، واقتصادية أثرت بشكل كبير على التنوع اللغوي في البلاد. تحتضن البلاد أكثر من 70 لغة محلية، منها اللغات البانتوية والنيجر-الكونغولية، والتي تشكل جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية لمختلف الجماعات العرقية في البلاد. رغم هذا التنوع، فإن العديد من هذه اللغات تشهد تراجعا ملحوظا في عدد المتحدثين، مما يعرضها لخطر الزوال خلال العقود القادمة.

تساهم عوامل عدة في هذا التراجع، أبرزها النزاعات المسلحة المستمرة التي أثرت على استقرار المجتمعات المحلية، إضافة إلى النمو السريع للغة الفرنسية كلغة رسمية ووسيلة تعليم وإدارة. كما أدت الهجرات الداخلية والخارجية إلى تغيير النسيج السكاني، حيث تركزت المجتمعات الناطقة ببعض اللغات في مناطق محدودة أو تفرقت بين مجتمعات أخرى، مما أدى إلى ضعف نقل اللغة بين الأجيال. يعاني الشباب بشكل خاص من فقدان الاتصال بلغاتهم الأصلية، إذ يفضلون استخدام الفرنسية أو لغات إقليمية أكثر انتشارا لأسباب تتعلق بالاندماج الاجتماعي والفرص الاقتصادية.

تسعى عدة منظمات محلية ودولية إلى توثيق هذه اللغات وحفظها عبر مشاريع توعية وتسجيل للغة المحكية، بالإضافة إلى تشجيع إدراجها في المناهج التعليمية واستخدامها في وسائل الإعلام المحلية. رغم هذه الجهود، يظل التحدي كبيرا في ظل غياب سياسات لغوية واضحة تدعم التنوع وتعزز حقوق الجماعات الناطقة بلغات محلية.

يمثل خطر انقراض اللغات المحلية في جمهورية إفريقيا الوسطى تحديا حقيقيا للهوية الثقافية والتاريخية للبلاد، إذ يعكس تراجع هذه اللغات تراجعا أعمق في صلة المجتمعات بتراثها وأصولها. يستدعي هذا الوضع تحركا عاجلا من الجهات الحكومية والمنظمات الثقافية لوضع سياسات فعالة لحماية التنوع اللغوي، وتشجيع التعليم بلغات محلية، وتوفير منصات إعلامية تدعم استخدامها. إن صون هذه اللغات لا يعني فقط حماية كلمات وتعبيرات، بل يضمن أيضا استمرار رؤية فريدة للعالم وثقافة غنية تشكل جزء أساسيا من الموروث الإنساني.