كاتدرائية مقديشو: صراع بين إرث الاستعمار ورغبة الإنقاذ

تحرير: صفاء فتحي

تعتبر كاتدرائية مقديشو من أبرز المعالم التاريخية في العاصمة الصومالية، وشاهدة على حقبة من التاريخ الاجتماعي والديني التي لا تزال تثير جدلا حول قيمتها ودورها في المجتمع المعاصر. بنيت الكاتدرائية في فترة الاستعمار الإيطالي خلال أوائل القرن العشرين، وتجسد الطراز المعماري الكاثوليكي الأوروبي، مما يجعلها رمزا لفصل تاريخي يحمل أبعادا سياسية وثقافية معقدة. ومع ذلك، وبعد عقود من النزاعات الداخلية وتدمير المدينة، أصبحت الكاتدرائية اليوم مهددة بالانهيار، ما يفتح نقاشا مهما حول ضرورة الحفاظ عليها كجزء من التراث الوطني.

تطرح تساؤلات عديدة حول طبيعة هذا المعلم، هل هو مجرد بقايا استعمارية يجب تجاوزها، أم شاهد على تاريخ متنوع يعكس مزيجا من الهويات والثقافات التي شكلت المدينة؟ يرى البعض أن الكاتدرائية تمثل إرثا استعماريا يجب التعامل معه بحذر، نظرا لما تمثله من رمزية تاريخية مرتبطة بفترة الاحتلال والهيمنة الأجنبية، لا سيما في بلد يعاني من تحديات سياسية واجتماعية عميقة. وفي المقابل، يشدد آخرون على أهمية الحفاظ على هذا المعلم كجزء من ذاكرة مقديشو وموروثها الثقافي، مؤكدين أن ترميمه يساهم في إحياء المدينة ويعزز الهوية الوطنية في أفق المصالحة وإعادة البناء.

تواجه جهود إنقاذ الكاتدرائية تحديات كبيرة على الأصعدة المالية، الفنية، والأمنية، وسط واقع هش يعاني من أزمات متعددة. إلا أن مبادرات محلية ودولية بدأت تظهر لتعزيز العمل على صون هذا المعلم من خلال مشاريع ترميم تستفيد من خبرات متخصصة في الحفاظ على الآثار. ويعد إنقاذ كاتدرائية مقديشو فرصة لإعادة النظر في كيفية التعامل مع المعالم التاريخية التي تحمل حمولة استعمارية، فهل يمكن إعادة تأهيلها في إطار يشجع على التعددية الثقافية والاعتراف بالتاريخ بكل أبعاده، أم أن الذاكرة الجماعية ستظل محتدمة بالمواقف الموروثة من الماضي؟ يظل هذا التساؤل محور نقاش حيوي يعكس التحديات التي تواجه المجتمعات التي تعيش على تقاطع التاريخ، السياسة، والهوية.

 

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض