العدالة الانتقالية في سيراليون: بين ترميم الثقة وتحديات الاستقرار

تحرير: صفاء فتحي

اختارت سيراليون، بعد انتهاء حربها الأهلية المدمرة عام 2002، مسار العدالة الانتقالية كخيار أساسي لإعادة بناء الثقة وتحقيق المصالحة الوطنية ومعالجة آثار العنف العميقة. استمرت تلك الحرب أحد عشر عاما، مخلفة انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، شملت تجنيد الأطفال والعنف الممنهج ضد المدنيين، مما ترك ندوبا غائرة في الذاكرة الجماعية وزرع شكوكا حول قدرة المجتمع على تجاوز ماضيه الدموي.

باشرت السلطات تنفيذ آليات متعددة، أبرزها المحكمة الخاصة ولجنة الحقيقة والمصالحة، سعيا لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم وتوثيق الانتهاكات. ورغم تمكن هذه المبادرات من إعطاء الضحايا فرصة التعبير وكشف حقائق حاسمة للرأي العام، فإنها واجهت عقبات كبيرة، أهمها محدودية التمويل وضعف الإرادة السياسية، ما قلص من تأثيرها وعمق نتائجها.

لقيت جهود العدالة الانتقالية دعما دوليا واسعا، خاصة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، غير أن هشاشة المؤسسات القضائية ومحدودية الموارد ظلتا عائقين أمام تحقيق عدالة شاملة ومتوازنة. عدد من المسؤولين عن الجرائم لم يخضعوا للمحاسبة، في حين بقيت مناطق عديدة تعاني شعورا بالتهميش، ما زاد من صعوبة تعزيز المصالحة الحقيقية.

اقتصاديا، زادت معدلات البطالة، الأزمات الاجتماعية، وغياب الخدمات الأساسية من هشاشة الوضع، أعاقت محاولات إعادة دمج المقاتلين السابقين والضحايا في الحياة اليومية. ورغم تحسن المؤشرات الأمنية نسبيا، يظل المشهد هشا يتطلب معالجة شاملة، لإصلاح البنية الاقتصادية وتعزيز العدالة الاجتماعية.

نجحت تجربة العدالة الانتقالية في سيراليون في إرساء بداية لمسار المصالحة الوطنية، لكنها لم تتمكن من معالجة جميع تداعيات الحرب أو تحقيق عدالة متكاملة. تظل هذه التجربة موضع نقاش عميق في إفريقيا، حيث تتساءل دول عديدة: هل يمكن اعتماد هذا المسار كنموذج مستدام لتحقيق الاستقرار؟ وإلى أي حد يمكن لسيراليون حماية مكتسباتها الهشة في ظل استمرار التحديات الأمنية والاجتماعية؟

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض