السياسة في توغو: جدلية الوراثة ومطلب التغيير

تحرير: صفاء فتحي

تجسد توغو نموذجا سياسيا خاصا في غرب إفريقيا، إذ تمزج بين استمرارية السلطة العائلية والضغط المتزايد نحو الإصلاح الديمقراطي. بعد وفاة الرئيس غناسينغبي إياديما عام 2005، تولى ابنه فور غناسينغبي الحكم، ما رسخ انتقال السلطة داخل نفس الأسرة، وأثار تساؤلات حول شرعية النظام ومدى انفتاحه على التعددية. هذا النمط من التوريث السياسي يجد جذوره في سبعينيات القرن الماضي، حين تمكن إياديما الأب من ترسيخ هيمنة مطلقة، مستفيدا من شبكة تحالفات عسكرية وقبلية واسعة.

في السنوات الأخيرة، تصاعدت الضغوط الداخلية والخارجية المطالبة بإصلاحات سياسية تضمن مشاركة أوسع وتعزز الشفافية. المعارضة، رغم انقساماتها، لا تزال تدعو إلى تقليص مدد الحكم، تحصين استقلالية المؤسسات، وحماية الحريات العامة. مع كل محطة انتخابية، تشهد البلاد موجات احتجاجية تندد بما يراه جزء من المجتمع المدني تقييدا للمجال السياسي وتقويضا لمبادئ التعددية.

إقليميا، يراقب الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) الوضع عن كثب، خاصة في ظل التوترات التي تعرفها منطقة الساحل وجنوب الصحراء. هذه الهيئات تدفع في اتجاه حوار سياسي شامل لتفادي الانقسامات والانزلاقات الأمنية، وضمان الاستقرار الإقليمي.

على الصعيد الاقتصادي، تواجه توغو هشاشة بنيوية عميقة، إذ يعيش نحو نصف السكان تحت خط الفقر، بينما تعتمد شريحة واسعة من الاقتصاد على المساعدات الخارجية والتحويلات المالية. هذه الهشاشة تغذي الانتقادات الموجهة للسلطة بخصوص إدارة الموارد العمومية وتوزيع الثروات، ما يزيد من حدة المطالب الاجتماعية.

رغم إطلاق النظام مبادرات إصلاحية، منها حوارات سياسية وتعديلات دستورية، يرى كثيرون أن هذه الخطوات بقيت محدودة الأثر، ولم تمس جوهر بنية الحكم أو تعزز ثقة المواطنين في المؤسسات.

تتأرجح توغو بين إرث سلطوي متجذر وطموحات شعبية ودولية متزايدة نحو التغيير. ويبقى مستقبل البلاد مرهونا بقدرة النظام على إحداث إصلاحات حقيقية تتيح مشاركة أوسع، وتؤسس لشرعية جديدة قادرة على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية. فهل ستتمكن توغو من الانتقال من منطق الوراثة السياسية إلى عهد جديد من الحكم التشاركي؟

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض