إسواتيني بين إرث الملكية وتطلعات الإصلاح

تحرير: صفاء فتحي

يرسم بلد إسواتيني ملامح تجربة سياسية واجتماعية فريدة في إفريقيا، إذ يواصل التمسك بنظام ملكي مطلق وسط تحولات عالمية متسارعة في أنماط الحكم والتدبير السياسي. ينظر إلى الملكية في هذا البلد الصغير كرمز ثقافي متجذر في الوعي الجمعي، ويعتبرها جزء من الهوية الوطنية التي ميزته لعقود طويلة. في المقابل، تنمو داخل المجتمع مطالب إصلاحية متصاعدة، يقودها شباب يسعى إلى تحسين الظروف المعيشية، توسيع هامش المشاركة السياسية، وتطوير بنية اقتصادية أكثر عدلا وشمولا.

يواجه إسواتيني تحديات اقتصادية كبيرة، إذ ترتفع معدلات الفقر والبطالة، ويعاني جزء مهم من السكان من تداعيات أزمات صحية مزمنة، أبرزها انتشار فيروس نقص المناعة المكتسبة، مما يضغط على النظام الصحي والاجتماعي ويعمق هشاشة الفئات الأكثر ضعفا. تعتبر هذه الأوضاع عاملا أساسيا في تغذية الاحتجاجات، حيث يرى كثيرون أن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية باتت ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى.

يجد النظام الملكي نفسه أمام معادلة صعبة تجمع بين المحافظة على رمزية التقاليد وبين ضرورة الاستجابة لمطالب التغيير. يعتمد هذا النظام على إرث تاريخي طويل، يستند إلى رؤية تعتبر الملكية الضامن الوحيد للاستقرار والوحدة الوطنية. في المقابل، يعبر جزء من المواطنين عن رغبتهم في رؤية تحولات سياسية تسمح بتعددية أكبر وتفتح آفاقا أوسع أمام الحريات الفردية والجماعية، دون أن يعني ذلك بالضرورة القطيعة مع البعد الثقافي والتاريخي العريق.

تبدو ملامح المستقبل في إسواتيني غامضة، إذ يصعب التنبؤ بمسار العلاقة بين السلطة والمجتمع المدني، خاصة في ظل غياب مؤشرات واضحة على وجود إصلاحات جوهرية وغياب قنوات مؤسساتية تتيح التعبير السلمي. يظل المشهد مفتوحا على احتمالات متعددة، تبدأ من إمكانية إيجاد صيغ توافقية تحفظ خصوصية النظام، تستجيب لمطالب التغيير، وتنتهي بفرضية استمرار الوضع الحالي بكل تناقضاته وتحدياته.

تطرح تجربة إسواتيني تساؤلات أعمق حول قدرة المجتمعات الإفريقية على الجمع بين التقاليد والحداثة، وتحفز نقاشا واسعا حول نماذج الحكم الأكثر ملاءمة لخصوصية القارة. في ظل هذه المعادلات المعقدة، يبرز البلد كمرآة لجدلية مستمرة بين الأصالة والانفتاح، بين الإرث الثقافي والحاجات الاجتماعية الملحة، وهو ما يجعل من إسواتيني حالة فريدة تستحق المتابعة والتحليل بعيدا عن الانحياز والأحكام الجاهزة.