“سد النهضة” وتصريح ترامب.. محاولة للفهم

محمد زاوي

يبدو أن ما قلناه في مقالات سابقة عن سياسة دونالد في إفريقيا لم يكن قولا جُزافا، فالسياسة الأمريكية الجديدة تسعى لتجاوز أزمات القارة الإفريقية، والشروع مباشرة في مخاطبة دولها بالاستراتيجية الاقتصادية الأمريكية التي لم تعد أهدافها مخفية على أحد. لا تريد أمريكا ترامب توترات في إفريقيا، بقدر ما تريد أرباحا وأسواقا للاستثمار، كما تريد منافسة الصين وغيرها من القوى الاقتصادية الكبرى في قارة توصف بأنها “المستقبل الاقتصادي للعالم”. في هذا الإطار تدخل عديد القضايا الإفريقية التي يسعى ترامب إلى حلها، ومن أبرزها: ملف الصحراء المغربية بين المغرب والجزائر، والنزاعات المسلحة المنتشرة في مناطق مختلفة من القارة، ومشكل “سد النهضة” بين مصر وإثيوبيا، الخ.

التصريح الجديد لترامب بخصوص “سد النهضة” كان واضحا وصريحا في هذا المنحى، ناهيك عن تشبث إدارته بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وعزمها على تعزيز هذا القرار، بالإضافة إلى المصالحات التي باشرتها الإدارة الأمريكية الجديدة كتلك التي تمت بين الكونغو الديمقراطية وأوغندا في البيت البيضاوي. كلها مواقف، إذا قورنت بمواقف ترامب في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، نجد أنها تدل على منحى واحد في إدارته: إنهاء الحروب والنزاعات المسلحة والتفرغ لمنافسة الصين اقتصاديا.

بخصوص مشكل “سد النهضة”، قال ترامب في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بأمين عام حلف الناتو مارك روته بالبيت الأبيض (15/07/2025): “أعتقد أننا سنحل مشكلة نهر النيل قريبا”. وكان من الممكن أن نفهم من هذا القول وقوف إدارة ترامب على الحياد من الطرفين، إلا أن موقفين آخرين وردا في معرض كلامه قرّبا موقفه من الموقف المصري. ونقصد هنا قوله: “الولايات المتحدة هي التي مولت سد النهضة ولا أعرف لماذا”، ثم قوله: “مسألة المياه مهمة وحساسة جدا وهي مصدر الحياة لمصر”.

ولذلك فقد جاء تفاعل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على وجه السرعة، فقال من ضمن ما قاله: “تثمّن مصر تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تبرهن على جدية الولايات المتحدة تحت قيادته في بذل الجهود لتسوية النزاعات ووقف الحروب. وتؤكد مصر ثقتها فى قدرة الرئيس ترامب على حل المشاكل المعقدة وإرساء السلام والاستقرار والأمن في مختلف ربوع العالم، سواء كان ذلك في أوكرانيا، أو الأراضي  الفلسطينية، أو أفريقيا”. والملاحظ في قول الرئيس المصري أنه أشار إلى سياسة ترامب في إفريقيا كجزء من سياسة خارجية أمريكية عامة، في أوكرانيا والأراضي الفلسطينية وغيرها من المناطق في العالم.

وتحيلنا هذه الإشارة من قبل الرئيس المصري إلى مسألتين ذكرهما ترامب في تصريحه حول “سد النهضة”، وهما:

-التمويل الأمريكي لمشروع السد: والذي قال ترامب إنه لا يعرف أسبابه.. فمن يعرفها إذن؟ على الأرجح هي الإدارة الأمريكية السابقة وشركاتها، أي نقيض ترامب الاقتصادية والسياسي داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها (أي في سياساتها الخارجية).. “السد” استهداف للأمن الاقتصادي والغذائي والمائي المصري، وهو بؤرة توتر يمكن إشعالها في أي لحظة حسب مصالح الطرف الذي يستهدف الدولة المصرية.. من يريد الضغط على مصر إذن؟ أكيد ليست إثيوبيا بشكل مباشر.. فمن إذن؟ نفس نقيض ترامب، نفس السياسة التي يسعى الأخير إلى مواجهتها و”حسم عروقها” في مختلف مناطق التوتر بالعالم. ولذلك جاء التفاعل المصري عاما، لا يركز على قضيته فقط، بل يؤكد على انسجامه مع السياسة الأمريكية الجديدة، سياسة “إرساء السلام والاستقرار والأمن في مختلف ربوع العالم” كما قال الرئيس المصري.

-الدفاع عن الحقوق المصرية المرتبطة بنهر النيل: وهو ما يمكن أن يُقرأ عدة قراءات: كضغط على إثيوبيا للقبول بالسياسة الأمريكية وتصورها لحل المشكل بين البلدين (إثيوبيا ومصر)، أو كضغط للحصول على امتيازات اقتصادية في إثيوبيا، أو بمثابة مكافأة لمصر جزاء مسألتين: إما القبول بتسوية ما في فلسطين وإما تقديم تنازلات اقتصادية لفائدة الاستثمارات الأمريكية التي يرعاها ويرسم خريطة توسعها دونالد ترامب.. كما قد يكون التصريح الجديد للأخير بمثابة اختبار للجانبين لمعرفة كيفية تفاعلهما، تمهيدا للقرار الأمريكي النهائي. كل هذا ممكن، لكنه لن يخرج عن استراتيجية ترامب الحالية: المصالح الاقتصادية والتنافس الاقتصادي لمصلحة الرأسمال المدني الأمريكي.

 

 

 

 

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض