جزيرة غوري في السنغال: “بوابة اللاعودة” وذاكرة الألم الإفريقي

تحرير: صفاء فتحي

جسدت جزيرة غوري، الواقعة قبالة سواحل دكار في السنغال، رمزا مروعا لأحد أكثر الفصول ظلمة في تاريخ الإنسانية، حين تحولت إلى نقطة عبور مركزية لملايين الأفارقة المستعبدين الذين شحنوا قسرا نحو العالم الجديد بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر. عبر هؤلاء الضحايا من “بوابة اللاعودة”، وهو الممر الأخير الذي ودعوا من خلاله أرضهم وأهلهم إلى الأبد، ليبدؤوا رحلة مليئة بالمعاناة والاستغلال في مزارع السكر، القطن، والتبغ في الأمريكيتين.

فرض الموقع الاستراتيجي للجزيرة على الساحل الغربي لإفريقيا دورا مهما في توسع تجارة الرق، حيث تعاقبت القوى الأوروبية، خاصة البرتغاليين، الهولنديين، والفرنسيين، على استخدامها كقاعدة بحرية وتجارية. داخل مبنى “بيت العبيد” الشهير، كانت تحتجز النساء، الأطفال، والرجال في ظروف قاسية لا تترك مجالا للكرامة الإنسانية، في انتظار ترحيلهم عبر المحيط الأطلسي. هذا النظام التجاري الوحشي أسهم في بناء ثروات أوروبا وأمريكا، لكنه في المقابل مزق مجتمعات إفريقية بأكملها وأحدث آثارا نفسية وثقافية لا تزال حاضرة إلى اليوم.

تحولت جزيرة غوري في العقود الأخيرة إلى رمز للذاكرة الجماعية الإفريقية والعالمية، إذ أدرجتها اليونسكو سنة 1978 ضمن قائمة التراث العالمي، تكريما لضحايا الرق وإقرارا بضرورة مواجهة هذا التاريخ المؤلم. باتت الجزيرة اليوم مركزا تعليميا وثقافيا يستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم، من الباحثين والطلاب إلى الزعماء السياسيين، الذين يزورونها لإحياء الذكرى والتأمل في القيم الإنسانية الأساسية. غير أن هذه الزيارة تطرح تساؤلات عميقة حول مسؤولية المجتمعات المعاصرة في معالجة الإرث التاريخي، وتعزيز العدالة الاجتماعية والكرامة لكل الشعوب المتضررة من ممارسات الماضي.

أمام كل هذه الحقائق، يظل السؤال مطروحا: كيف يمكن تحويل ذاكرة الألم المرتبطة بجزيرة غوري إلى قوة دافعة لبناء مستقبل أكثر عدلا وإنصافا في إفريقيا والعالم؟

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض