علاقات متقدمة بين مصر والصومال.. هل تسعيان لتطويق الطموح الإثيوبي؟
محمد زاوي
تحدثت تقارير إعلامية عن استعدادات صومالية جارية لاستقبال قوات عسكرية مصرية على أراضي البلاد، وبالذات في إقليم جيدو حيث سرعة مقديشو في إعداده أمنيا وسياسيا لهذا الغرض. وإذا كانت مصر في حاجة إلى وجود عسكري في الصومال لتعزيز موقعها في القرن الإفريقي، فما الذي تكسبه الصومال من استضافة قوات مصرية على أراضيها؟
يمكن تفسير الخطوة الصومالية بتفسيرين:
-العلاقات الثنائية بينها وبين مصر من جهة: وهي العلاقات التي تعرف تقدما ملحوظا، على المستويين السياسي والاقتصادي. اقتصاديا، تتميز وتيرة العلاقة بينهما بتزايد التنسيق والتبادل في مجالات الاستثمار والتجارة والزراعة والخبرات المختلفة. أما سياسيا فيك في أن مصالحهماومهددة من قبل نفس القوة الإقليمية، أي إثيوبية. بالنسبة لمصر في قضية “سد النهضة”، وبالنسبة للصومال في عدة قضايا أبرزها “أرض الصومال” الانفصالية. وقد ابتسمت العلاقات بين البلدين مؤخرا بارتفاع وتيرة اللقاءات والمباحثات، والتي كان آخرها مباحثات رئاسية سرية أجراها الطرفان في مصر (مدينة العلمين الجديدة/ 7 يوليوز 2025) لمناقشة سبل تعزيز الأمن في القرن الإفريقي والبحر الأحمر.
-والخلافات بينها وبين إثيوبيا من جهة ثانية: صحيح أن العلاقات المتقدمة بين مصر والصومال تعتبر سببا من أسباب الخلاف بين إثيوبيا وهذه الأخيرة؛ إلا أن هناك أسبابا أخرى لهذا الخلاف، بعضها مرتبط بالتراب، وبعضها مرتبط بالاقتصاد، فيما يرتبط بعضها الآخر بالسيادة السياسية. فلطالما شكلت إثيوبيا مصدر تهديد سياسي واقتصادي للصومال في عدد من القضايا، كقضية “أوغادين” التي تعتبرها الصومال جزءا من أراضيها ولا تعترف بسيادة إثيوبيا عليها، أو قضية “أرض الصومال” الانفصالية التي تعقد معها إثيوبيا علاقات لأهداف اقتصادية وجيوسياسية، إلى غير ذلك من القضايا التي تعتبرها الصومال استهدافا إثيوبيا لسيادتها وتدخلا غير مقبول في شؤونها الداخلية.
فلننتقل، بعد عرض هذه المعطيات الضرورية لفهم العلاقة بين البلدان الثلاثة، إلى التساؤل عن موقعها جميعا على الخريطة الإفريقية. فلعل هذا التحديد يفيد في تصور العلاقات التي تربطها جغرافيا.
تَحُدّ الصومال إثيوبيا من جهة الشرق والجنوب، أما مصر فبينها وبين إثيوبيا دولتا ارتيريا والسودان. تدخل الصومال إذن، في الحدود الدنيا إثيوبيا، فيما تدخل مصر في حدودها الوسطى. أمام مصر عدة اختيارات للاقتراب من الحدود الإثيوبية، السودان وارتيريا من جهة الشمال (بالنسبة لإثيوبيا)، وجيبوتي والصومال من جهة الشرق والجنوب. والملاحظ هو أن مصر تفضل هذه الوجهة الأخيرة -أي الصومال-، بما يعنيه الوجود العسكري على أراضيها من اقتراب جيوسياسي من المصالح الإثيوبية. إن الصومال تطوق إثيوبيا من جهتي الشرق والجنوب بشكل شبه هلالي، وهذه وضعية جيوسياسية مناسبة لمصر في ظل الضغط المتبادل بينها وبين أديس أبابا.
في الأفق المستقبلي للعلاقات بين مصر والصومال، من شأن الوجود المصري على الأراضي الصومالية، ومن شأن العلاقات المتقدمة بين البلدين؛ من شأنهما أن يحرما إثيوبيا من واجهة بحرية مهمة تطل على بحر العرب عبر البر الصومالي. كما أن مصر باقترابها من هذه الواجهة، تعزز واجهتيها البحريتين، البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، بواجهة بحرية مرتقبة قد تشكل بديلا لكميات هامة من مياه النيل عن طريق تحلية مياه البحر، لنقله أو استغلاله في عين المكان باتفاق مع الصومال.
بهذه السياسة تكون مصر قد طوقت إثيوبيا من ثلاث جهات، من جهة إيجاد “بديل” لبعض الحصص المعتادة من مياه النيل، ومن جهة الاقتراب من الحدود الإثيوبية، ومن جهة حرمانها من واجهة بحرية مستقبلية عبر الصومال. التطويق الأول سياسي لتفادي الضغوط الإثيوبية ومن خلفها، الثاني جيوسياسي، الثالث مائي يقلب الطاولة على أديس أبابا.
-
“سد النهضة” وتصريح ترامب.. محاولة للفهم
محمد زاوييبدو أن ما قلناه في مقالات سابقة عن سياسة دونالد في إفريقيا لم يكن قولا جُزافا، فالسياسة الأمريكية الجديدة... تحليل جيوسياسي -
العدالة الانتقالية في سيراليون: بين ترميم الثقة وتحديات الاستقرار
تحرير: صفاء فتحياختارت سيراليون، بعد انتهاء حربها الأهلية المدمرة عام 2002، مسار العدالة الانتقالية كخيار أساسي لإعادة بناء الثقة وتحقيق... تحليل جيوسياسي -
مغامرة دبلوماسية فاشلة: كيف انهارت مهمة أمريكية سرية لإبرام صفقة بين ترامب والكونغو؟
مغامرة دبلوماسية فاشلة: كيف انهارت مهمة أمريكية سرية لإبرام صفقة بين ترامب والكونغو؟تحرير : وداد وهبي في شهر مارس الماضي، وصل... تحليل جيوسياسي -
تشاد والجامعة العربية: إعادة الانتماء السياسي أم ورقة ضغط استراتيجية؟
تحرير: صفاء فتحيتبرز العلاقة التاريخية بين تشاد والعالم العربي تداخلا عميقا في الهويات الثقافية والدينية، تجذر منذ القرون الوسطى عبر... تحليل جيوسياسي -
تحليل خطاب ترامب لقادة الدول الإفريقية.. تأسيس أمريكي لعلاقات جديدة!
تحرير: محمد زاويلقد كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واضحا تمام الوضوح في الخطاب الذي وجهه لخمس دول إفريقية، هي غينيا... إقتصاد -
إيران – الجزائر – ميليشيات البوليساريو: التحالف الخفي الذي يمد أذرعه داخل أوروبا
تحرير : أفريكا أيفي كتاب «أخطبوط طهران»، يعرض الصحفيان إيمانويل رزافي وجان ماري مونتالي تفاصيل محور سري يجمع بين طهران،... تحليل جيوسياسي