سياسة الترحيل الأمريكية.. مركزية غربية وواقع اقتصادي جديد

محمد زاوي

لن يهدأ للإدارة الأمريكية الجديدة بال حتى تفرغ أراضيها من كل مهاجر أجنبي غير نظامي ترى أنه لا ينفعها بشيء، وفي هذا الإطار تأتي حملة الترحيل التي أطلقتها الإدارة الأمريكية الجديدة رغما عن أنف لا المهاجرين ودولهم الأصلية فقط، بل رغما عن أنف القارة الإفريقية وهي بعيدة كل البعد عن علاقةٍ بين الأمريكيين وغيرهم من الدول المصدّرة للمهاجرين!

قد يقول قائل: إن إفريقيا نفسَها تصدّر مهاجرين للولايات المتحدة الأمريكية، فلماذا لا يكون لهذه الأخيرة حق في ترحيلهم إليها؟! إن الواجب على كل دولة إفريقية، بغض النظر عن ظروف الهجرة والعوامل المفسرة لها، أن تستقبل مهاجريها لا مهاجري غيرها من الدول. فما لترامب يفرض عليها مهاجرين من فيتنام أو لاوس أو اليمن أو كوبا أو جامايكا الخ؟!

يبرر ترامب قراره بامتناع دول هؤلاء عن استقبالهم؛ ولكن، بأي حق تمتنع دولهم في حين يُفرَض على الدول الإفريقية استقبالهم قسرا، ودون اعتبار لظروف هذه الأخيرة ولا لما يمكن أن يشكّله المرحَّلون من خطر على أمن مواطنيها وأراضيها؟! كيف يمكننا تفسير ما ذهبت إليه الإدارة الأمريكية الجديدة رغما عن أنف السيادات التي ما فتئت تدّعي دفاعا عنها؟ لماذا استطاع ترامب فرض أسلوبه في بلدان إفريقية دون مناطق أخرى من العالم (مصر والأردن بخصوص تهجير سكان غزة)؟!

يمكن تفسير ما يحصل باستمرار “مركزية الإنسان الأبيض” الذي يرى نفسه عرقا أسمى من كافة الأعراق، فيما يرى الأفارقة على وجه الخصوص مجتمعات للاستعباد فقط. كما يمكن تفسيره باستضعاف الدول الإفريقية التي لا تجد ما تدافع به عن نفسها، عكس دول أخرى إما إفريقية قادرة على رفض القرار الأمريكي علانية (نيجيريا، أنغولا، مالي، الخ)، أو عربية قادرة على مناورة ترامب (مصر والأردن في قضية غزة). إلا أن التفسير الأبرز والجوهري متعلق أساسا بالاقتصاد، أي بالواقع الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية وواقع غيرها من الدول الإفريقية.

-بخصوص الواقع الاقتصادي الأمريكي: لم تعد أمريكا في حاجة ألى مهاجرين، فأولويتها اليوم التركيز على يدها العاملة التي عرفت انسحابا كبيرا من سوق العمل الأمريكية ليبيين: الاعتماد على اقتصاد السيطرة الخارجية، فتح سوق العمل الأمريكية في وجه المهاجرين الأجانب. لقد انتهى زمن استقطاب اليد العاملة الأجنبية بلا حدود، بل كل عمل من هذا النوع يجب أن يكون مقيدا بالخصاص الأمريكي بعد توظيف ما يمكن توظيفه من المواطنين الأمريكيين.

-بخصوص واقع غيرها من الدول الإفريقية: إذ للولايات المتحدة الأمريكية يد على بعض الدول الإفريقية (جنوب السودان، إسواتيني)، كما تربطها علاقات اقتصادية ببعضها (غانا، السنغال، جنوب إفريقيا)، أو لعلها تستعد للتعاون مع أخرى (ليبيريا، موريتانيا).. كلها عمليات تبادلية لا تفرض أمريكا سياسة الترحيل إلا من خلالها وباستثمارها.. وفي علاقتها بدول أكبر وزنا في ميزان القوى الإفريقي تراعي الولايات المتحدة الأمريكية موقعها الجيوسياسي، فتقترح بحذر أو لعلها تحفظ علاقاتها بهذه الدول لهندسة الواقع الجيوسياسي الإفريقي بما يخدم مصلحتها. ليست أمريكا لاعبا وحيدا في إفريقيا، وهذا ما يضع حدا أمام طموحها!

 

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض