التمدن السريع وندرة السكن: ملامح أزمة عمرانية في العواصم الإفريقية

تحرير : عمر قادر

توسعت المدن الإفريقية خلال العقود الأخيرة بوتيرة متسارعة، مدفوعة بالنمو الديمغرافي والهجرة الداخلية نحو المراكز الحضرية. في المقابل، لم يواكب هذا التوسع العمراني تنمية موازية في البنيات التحتية والسكن الاجتماعي، ما أدى إلى اتساع فجوة السكن وظهور أزمة عمرانية واضحة في عدد من العواصم الكبرى مثل نيروبي، لاغوس، دكار، كينشاسا، وأديس أبابا .

يعاني ملايين السكان في هذه المدن من صعوبة الولوج إلى سكن لائق، في ظل ارتفاع أسعار العقار وتراجع القدرة الشرائية لدى فئات واسعة من المجتمع. وتكشف المؤشرات السكانية أن هذه الحواضر تعرف ضغطاً سكانيا متزايدا، يصاحبه تركيز للاستثمارات العقارية في مشاريع فاخرة موجّهة لشرائح محدودة. في المقابل، لا تزال الحاجة ملحة لتوفير سكن ميسر يلبي احتياجات الطبقات المتوسطة والدنيا، التي تمثل الغالبية.

ساهمت المضاربات العقارية وتراكم رؤوس الأموال في القطاع في رفع أسعار الأراضي والمباني، بينما تبقى الرقابة والتخطيط الحضري عاجزين عن ضبط السوق أو توجيهه نحو العدالة الاجتماعية. كما شجع غياب سياسات إسكانية متوازنة على نشوء أحياء غير مهيكلة في محيط المدن، تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الأساسية. تشهد مدن مثل أبيدجان توسعا عمرانيا سريعا ترافقه عمليات ترحيل قسري في بعض الأحياء القديمة، مما يثير تساؤلات حول أولوية السكان في السياسات الحضرية.

تشير تقارير دولية إلى أن أكثر من نصف سكان المدن الإفريقية يعيشون حاليا في مساكن غير رسمية، ما يعكس حجم التحديات المطروحة على صناع القرار. وتطرح تساؤلات متزايدة حول مدى قدرة النمو الحضري على تحقيق العدالة المجالية، بدل إعادة إنتاج أنماط جديدة من الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي داخل الفضاءات الحضرية.

يرتبط الحق في السكن في القارة بسياق مركب، حيث تتقاطع عوامل اقتصادية، سياسية، وتاريخية. فمن جهة، تحاول بعض الدول الإفريقية إطلاق مشاريع سكن اجتماعي، لكنها غالبا ما تصطدم بعراقيل تتعلق بالتمويل، الشفافية، أو ضعف الاستهداف. ومن جهة أخرى، يساهم التوسع الحضري غير المنظم في تفاقم الإشكالات البيئية والعمرانية، وسط غياب معطيات محدثة تؤطر اتخاذ القرار.

تفرض هذه الوضعية مقاربة شاملة تعيد الاعتبار لسياسات عمرانية تستجيب لحاجات السكان بدل الاستجابة للطلب الاستثماري فقط. ويتطلب الأمر تفعيل آليات الحوكمة الحضرية، وربط التخطيط العقاري بمتطلبات التنمية المستدامة، بما يضمن استقرار المدن وقدرتها على احتواء التحولات المستقبلية. لكن، هل تملك المدن الإفريقية ما يكفي من الإرادة السياسية والموارد اللازمة لتأمين سكن كريم وعادل لمواطنيها في السنوات القادمة؟

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض