الشتات المنسي: الباتوا في إفريقيا الوسطى بلا وطن ولا صوت

تحرير : ماهر الرفاعي

يواجه الباتوا في إفريقيا الوسطى تهميشا متواصلا يجعلهم في موقع هش خارج حدود المجتمع الرسمي، رغم كونهم من أقدم الجماعات الأصلية في المنطقة. يختزل وجودهم في حضور غير مرئي، داخل دولة لا تمنحهم الاعتراف القانوني ولا الحماية الاجتماعية، مما يجعلهم خارج منظومة المواطنة الفعلية. لا يحمل معظمهم وثائق هوية، ما يعيق ولوجهم إلى التعليم، الصحة، والعدالة، ويكرس وضعهم كجماعة معزولة في وطن يفترض أن يحتضن تنوعه الإثني والثقافي.

ينتمي الباتوا إلى مجتمعات الصيادين الجامعين الذين ارتبط نمط عيشهم تاريخيا بالغابة، لكن التحولات الاقتصادية الكبرى، وخصوصا التوسع الصناعي والتعديني، ساهمت في تقليص الفضاء الطبيعي الذي يحتضنهم. أدت هذه الدينامية إلى اقتلاعهم من أراضيهم، دون تعويضات أو إعادة إدماج فعلي، ما أجبر كثيرين منهم على التوجه نحو المدن في ظروف معيشية قاسية تفتقر للحد الأدنى من الكرامة. التغيير القسري في نمط الحياة لم يصاحبه تحول مؤسسي يكفل الحماية أو الإدماج، بل فرض عليهم العيش كمواطنين من الدرجة الثانية.

في ظل هذا الواقع، تطرح تساؤلات حقيقية حول فعالية السياسات التنموية التي تغيب عنها مقاربة النوع الثقافي والعدالة الاجتماعية. فبرامج الدولة غالبا ما تصمم بمعايير لا تراعي اختلافات الباتوا، وترسخ إقصاء مضاعفا تعاني منه النساء بشكل خاص، نظرا لتقاطع التهميش الإثني مع التمييز القائم على النوع. ورغم وجود بعض المبادرات غير الحكومية لمواكبة هذه الفئة، فإن غياب الإرادة السياسية والرؤية المؤسساتية يجعل من تدخلاتها محدودة الأثر.

تكشف حالة الباتوا عن نمط بنيوي من الإقصاء يمارس على جماعات أصلية في عدد من دول القارة، حيث ينظر إلى التنوع الإثني أحيانا كعامل هشاشة بدل أن يعتبر رصيدا ثقافيا. ويبدو أن ما بعد الاستعمار لم يفتح المجال لبناء نموذج وطني شامل، بل أعاد إنتاج تهميش تاريخي في شكل جديد. مصير الباتوا يطرح سؤالا سياديا وإنسانيا في آن: كيف يمكن لدولة أن تدعي وحدتها دون أن تعترف بجميع مكوناتها؟

رغم واقع الإقصاء، تستمر جماعة الباتوا في التمسك بذاكرتها الجماعية، بما تبقى من رموزها الثقافية الشفهية والمجتمعية، دفاعا عن هوية أصبحت مهددة بالذوبان. إلا أن هذا الصمود، مهما بلغ من قوة رمزية، يظل غير كاف في غياب إصلاحات قانونية ومؤسساتية تكرس مبدأ المواطنة الكاملة، وتعيد الاعتبار للحق في الاختلاف والوجود.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض