قمة ترامب الإفريقية: انتقائية الحضور وغياب دول الساحل
تحرير: صفاء فتحي
استضافت واشنطن في يوليوز الجاري قمة جمعت خمسة من قادة الدول الإفريقية، وهم السنغال، موريتانيا، غينيا بيساو، ليبيريا، والغابون. جاء اختيار هذه الدول مرتبطا بأهمية مواردها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي على الساحل الأطلسي، حيث تمثل نقاطا حيوية في مجالات الأمن البحري والهجرة، بالإضافة إلى فرص استثمارية تجذب اهتمام الولايات المتحدة. هذه القمة عكست توجها جديدا في السياسة الأمريكية تجاه القارة، إذ تحولت الأولويات من الدعم التنموي التقليدي إلى التركيز على المصالح الاقتصادية والتجارية المباشرة.
في المقابل، غابت دول الساحل الإفريقي، بما في ذلك مالي، النيجر، وبوركينا فاسو، عن هذه القمة رغم ما تواجهه من تحديات أمنية معقدة تتعلق بانتشار الجماعات الإرهابية وعدم الاستقرار السياسي. يشير غياب هذه الدول إلى أولويات انتقائية تعكس رغبة واشنطن في تجنب الانخراط العميق في ملفات معقدة ومكلفة، وبدلا من ذلك تركيزها على شراكات تبدو أكثر استقرارا وربحية. هذا الإقصاء أثار تساؤلات عدة حول مدى اهتمام الولايات المتحدة بمناطق تبرز كحيوية على صعيد الأمن القاري، حيث تشكل هذه الدول جبهة أمام تهديدات أمنية تستدعي دعما دوليا واضحا.
شهدت السياسة الأمريكية خلال عهد ترامب تحولا ملحوظا، إذ صممت الاستراتيجيات لتعزيز المصالح الاقتصادية الضيقة، مع تخفيف الالتزام بالقضايا الأمنية والسياسية المعقدة في إفريقيا. التوجه الذي رسخته هذه القمة يعكس اعتمادا أكبر على قوى السوق والموارد الطبيعية كأساس للتعاون، مع تقليل الاهتمام بالدعم التنموي أو السياسي الشامل. هذه الرؤية تختلف عن الإدارات السابقة التي كانت تميل إلى نهج أكثر شمولية، يشمل تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.
قد يؤدي هذا الإقصاء إلى تقليل ثقة دول الساحل في الدعم الأمريكي، مما يدفعها إلى البحث عن شركاء بديلين في ظل تنافس دولي متزايد، خاصة مع توسع نفوذ روسيا، الصين، وتركيا في المنطقة. يعكس هذا التحول الديناميكي تعقيدات جديدة في المشهد الدبلوماسي الإفريقي، ويطرح أسئلة حول مستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة والقارة، خصوصا في المناطق ذات الأهمية الأمنية الحاسمة.
تفاعل الإعلام والدوائر السياسية الإفريقية مع غياب دول الساحل عن هذه القمة بنوع من القلق والتساؤل، حيث عبر بعض المسؤولين عن استغرابهم لهذا التهميش في وقت تزداد فيه الحاجة إلى تعاون دولي فعال لمعالجة التوترات الأمنية، الفقر، والهجرة غير النظامية. شكل الاتحاد الإفريقي جزء من الجهود الرامية إلى تعزيز التماسك الإقليمي والدفاع عن مصالح القارة، رغم محدودية التأثير المباشر على قرارات الدول الكبرى.
تبرز دول الساحل في موقع استراتيجي هام، فهي تمثل بوابة بين شمال إفريقيا وجنوبها، وتواجه أزمات أمنية واقتصادية متشابكة، تجعلها حجر زاوية في استقرار القارة بأكملها. تأثير هذه المنطقة يمتد إلى ما هو أبعد من حدودها الجغرافية، إذ يرتبط أمنها واستقرارها بمصالح دولية وإقليمية عدة، وهو ما يجعل غيابها عن المحافل الدولية مسألة ذات أهمية بالغة.
تظل السياسة الخارجية الأمريكية قابلة للتغير تبعا لتقلبات الأولويات العالمية، ويعكس هذا التغير فرصا وتحديات في آن واحد. فهل يمثل غياب دول الساحل عن هذا النوع من المبادرات مجرد لحظة عابرة في أجندة أمريكية متحولة، أم هو بداية لإعادة رسم خريطة النفوذ والشراكات داخل القارة الإفريقية؟
-
سياسة الترحيل الأمريكية.. مركزية غربية وواقع اقتصادي جديد
محمد زاويلن يهدأ للإدارة الأمريكية الجديدة بال حتى تفرغ أراضيها من كل مهاجر أجنبي غير نظامي ترى أنه لا ينفعها... إقتصاد -
علاقات متقدمة بين مصر والصومال.. هل تسعيان لتطويق الطموح الإثيوبي؟
محمد زاويتحدثت تقارير إعلامية عن استعدادات صومالية جارية لاستقبال قوات عسكرية مصرية على أراضي البلاد، وبالذات في إقليم جيدو حيث... تحليل جيوسياسي -
“سد النهضة” وتصريح ترامب.. محاولة للفهم
محمد زاوييبدو أن ما قلناه في مقالات سابقة عن سياسة دونالد في إفريقيا لم يكن قولا جُزافا، فالسياسة الأمريكية الجديدة... تحليل جيوسياسي -
العدالة الانتقالية في سيراليون: بين ترميم الثقة وتحديات الاستقرار
تحرير: صفاء فتحياختارت سيراليون، بعد انتهاء حربها الأهلية المدمرة عام 2002، مسار العدالة الانتقالية كخيار أساسي لإعادة بناء الثقة وتحقيق... تحليل جيوسياسي -
مغامرة دبلوماسية فاشلة: كيف انهارت مهمة أمريكية سرية لإبرام صفقة بين ترامب والكونغو؟
مغامرة دبلوماسية فاشلة: كيف انهارت مهمة أمريكية سرية لإبرام صفقة بين ترامب والكونغو؟تحرير : وداد وهبي في شهر مارس الماضي، وصل... تحليل جيوسياسي -
تشاد والجامعة العربية: إعادة الانتماء السياسي أم ورقة ضغط استراتيجية؟
تحرير: صفاء فتحيتبرز العلاقة التاريخية بين تشاد والعالم العربي تداخلا عميقا في الهويات الثقافية والدينية، تجذر منذ القرون الوسطى عبر... تحليل جيوسياسي