الأسواق التقليدية في إفريقيا: بين الحفاظ على التراث ومواكبة التغيرات

تحرير: صفاء فتحي

تواصل الأسواق التقليدية في إفريقيا أداء دور محوري في الحياة اليومية لشرائح واسعة من السكان، رغم التحولات العميقة التي تمس النسيج الاقتصادي والاجتماعي في القارة. تنبض هذه الفضاءات بالحركة والتنوع، تشكل نقاط التقاء بين الماضي والحاضر، حيث تختلط التجارة بالحكايات والروائح والعادات التي تعكس هوية المجتمعات المحلية.

تعتبر هذه الأسواق أكثر من مجرد أماكن لاقتناء السلع، إذ تؤدي وظائف اجتماعية وثقافية لا تقل أهمية عن دورها الاقتصادي. في مدن مثل مراكش، أكرا، كوتونو، وأواسا، تتجاور البضائع مع الذاكرة الجماعية، ويحتفظ الباعة بأساليب تقليدية في العرض والبيع، تعكس تراكمات تاريخية تمتد لعقود وربما قرون.

غير أن هذه الفضاءات تواجه اليوم ضغطا متزايدا جراء التوسع العمراني، تطور التجارة الحديثة، وتحولات سلوك المستهلك. يفرض هذا الواقع تحديا مزدوجا: كيف يمكن الحفاظ على الطابع الأصيل للأسواق التقليدية، دون عزلها عن متطلبات العصر؟ في العديد من المدن الإفريقية، بدأ نمط الأسواق المغلقة أو مراكز التسوق الحديثة يزاحم الفضاءات التقليدية، ما أدى في بعض الحالات إلى تراجع الإقبال، وتآكل بعض الأنشطة الحرفية التي كانت مزدهرة في السابق.

تعكس هذه الدينامية صراعا غير معلن بين منطق السوق ومنطق الذاكرة. ففي وقت تسعى فيه بعض الحكومات المحلية إلى تأهيل هذه الفضاءات وجعلها أكثر تنظيما، تبرز مخاوف من فقدان روح المكان، وتحول الأسواق إلى فضاءات معقمة لا تحمل من التراث سوى الاسم. وبينما تتجه بعض المدن إلى رقمنة أنشطة البيع أو إدخال أنظمة دفع حديثة، تبقى الفجوة قائمة بين الأجيال الجديدة التي تبحث عن السرعة والراحة، وجيل الباعة التقليديين الذين يرون في السوق امتدادا لهويتهم الشخصية والجماعية.

تختلف تجارب الحفاظ على الأسواق التقليدية من بلد لآخر. ففي السنغال، على سبيل المثال، يشكل “سوق سانداغا” وسط العاصمة داكار نموذجا للفضاء التجاري الشعبي الذي يتمتع بقدرة على التكيف رغم التحديات. وفي إثيوبيا، لا يزال “ميركاتو” في أديس أبابا، أحد أكبر الأسواق المفتوحة في إفريقيا، شاهدا على استمرارية نموذج اقتصادي غير رسمي يعج بالحركة والتنظيم الذاتي.

تظهر هذه النماذج أن الأسواق التقليدية ليست فقط شاهدا على ماض متجذر، بل أيضا مختبرا لتحولات كبرى يعيشها الفضاء الحضري في إفريقيا. وبين من يعتبرها عائقا أمام التحديث، ومن يراها صمام أمان اجتماعي واقتصادي، يبقى مستقبلها رهين توازن دقيق بين التراث والابتكار.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض