من دلتا النيل إلى دار السلام: مصريون يصنعون مستقبلهم في تنزانيا

تحرير: وداد وهبي


في ظل القيود المتزايدة على الهجرة إلى أوروبا، يتجه عدد متزايد من الشباب المصري نحو الجنوب، باحثين عن فرص جديدة في دول إفريقية واعدة كتنزانيا. أحمد جناح، أحد هؤلاء، غادر قريته في دلتا النيل عام 2017 نحو دار السلام، حاملا حلما بسيطا أصبح لاحقا اسم شركته: “دريم تريدينغ”.

لم تكن الصورة النمطية عن إفريقيا جنوب الصحراء – من فقر ومجاعات وأمراض – كافية لردع جناح، الذي وجد في تنزانيا فرصا اقتصادية ومجتمعية دفعت به ليصبح ما يشبه “عمدة المصريين” في دار السلام. لا يقتصر دوره على التجارة في أدوات الألمنيوم والحديد، بل يمتد لمساعدة الوافدين الجدد من تأمين السكن والعمل، إلى الترجمة ومرافقة القادمين لفهم الحياة والعمل في بيئة جديدة.

وبينما تعزز مصر علاقاتها الاقتصادية مع الدول الإفريقية، تشهد الهجرة نحو الجنوب تحولا ملحوظا. أرقام رسمية تشير إلى ارتفاع عدد المصريين في الدول الإفريقية غير العربية من 46 ألفا في 2017 إلى 54 ألفا في 2021. وتقدّر السفارة المصرية في تنزانيا عدد الجالية المصرية هناك بـ1200 شخص، من أصل نحو 70 ألف عربي يقيمون في البلاد.

لكن قصة النجاح لا تقتصر على أحمد جناح. في قرية “ميان” جنوب شرق تنزانيا، أسس محمد الشافعي، خريج قسم اللغة الصينية بجامعة القاهرة، مصنعين لتجهيز الكاجو عام 2018، ساهم من خلالهما في تشغيل مئات العمال وتصدير الكاجو للأسواق العربية والتركية. بدأ الشافعي مشروعه برأس مال متواضع قدره 11 ألف دولار فقط، وحقق مبيعات تجاوزت 700 ألف دولار بين 2023 و2024.

ورغم هذه النجاحات، يظل الحنين حاضرا، خاصة في لحظات الفقد. يقول جناح: “أصعب ما في الغربة أن يموت أحدنا… لكننا نتكاتف فورا لتأمين إجراءات الترحيل أو الدعم لأسرته”. ومع ذلك، يشدد على أن التكنولوجيا جعلت البعد أقل قسوة: “نتحدث يوميا مع أهلنا، وهذا يخفف من شعور الغربة”.

تقدم تنزانيا اليوم بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي، بفضل استقرارها السياسي، وانخفاض معدلات التضخم، وسياسات تحفيزية في قطاعات مثل الزراعة والصناعة والتعليم. ويرى الخبير المصري أيمن زهري أن هذا الاتجاه الجديد للهجرة الاقتصادية إلى إفريقيا، رغم كونه لا يزال محدودا مقارنة بالخليج وأوروبا، يمثل بديلا ناشئً في عقلية الشباب المصري الطامح.

ختاما، بالنسبة لأحمد جناح، تنزانيا لم تعد مجرد محطة مؤقتة، بل “وطن ثانٍ” يعيش فيه مع زوجته وأطفاله. يقول: “لا أعلم متى سأعود إلى بلدي، لكنني أعلم أنني هنا صنعت حياة جديدة”.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض