الاستثمارات الفيتنامية في إفريقيا.. الكفاءة التقنية والمؤهلات التنافسية

محمد زاوي

وقعت دولتا السنغال وفيتنام، يوم الأربعاء من الأسبوع الجاري (23 يوليوز 2025)، مذكرات تفاهم من أجل تعزيز العلاقات الثنائية بينهما في عدة قطاعات أبرزها التجارة والزراعة. وقد سلط هذا المستجد الضوء من جديد على موضوع العلاقات الإفريقية الفيتنامية، في سياق يشتد فيه التنافس بين القوى الإقليمية والدولية على سوق الاستثمار والتصدير والاستيراد في القارة الإفريقية. وهنا نتساءل: إلى أي حد تستطيع فيتنام إيجاد موطئ قدم لها في هذه القارة؟ وكيف تستفيد الدول الإفريقية من خبرة فيتنام وقدراتها الاقتصادية؟ وما الأدوار التي من الممكن أن تلعبها في قارة معقدة من حيث واقعها الجيوسياسي؟

تشتهر فيتنام، شأنها شأن عدد من الدول الآسيوية، بخبراتها التكنولوجية والذكية التي توظفها في مجالات الصناعة والزراعة والنقل واللوجيستيك والاتصالات والمعاملات الرقمية وتقنيات الكشف والتنقيب الخ. وهذه هي أبرز المجالات التي ينشط فيها الاستثمار الفيتنامي إفريقيا، خاصة في دول تربطها علاقات تاريخية بفيتنام من أبرزها جنوب إفريقيا ونيجيريا وموزمبيق والجزائر وأنغولا وغيرها من الدول التي تحتفظ فيتنام بقربها من “عالم الحرب الباردة”. في هذه الدول، ومن خلال المجالات المذكورة، تستفيد شركات فيتنامية من استثمارات عديدة قابلة للتوسع في قارة حبلى بمستقبل اقتصادي مغرٍ.

تقف في وجه فيتنام عقبات كبيرة، منها الذاتي ومنها الموضوعي، تحول دون تفعيل استراتيجيتها الإفريقية بأريحية تامة؛ ولعل من أبرز هذه العقبات:

-منافسة الرأسمالات الكبرى في إفريقيا: وهي رأسمالات بقدرات اقتصادية أكبر، مثل الرأسمال الصيني أو الأمريكي أو الهندي أو البريطاني أو الياباني الخ؛ ولذلك يبقى المنفذ الوحيد لفيتنام في ظل هذا التنافس الرأسمالي المتفاقم أن تتسلل إلى الاستثمار الٱفريقي عبر ما تقدمه من خبرة تتميز بها عن باقي الرأسمالات، أو عبر الإغراءات التي تقدمها الدولة الإفريقية والتي لا تستطيع الرأسمالات الكبرى النزول إليها. أما العلاقات التاريخية التي ربطت فيتنام ببعض دول إفريقيا على أساس تقاطبات الحرب الباردة، فالراجح والمتوقع أنها تتلاشى يوما بعد يوم في عالم أصبحت فيه دول “المعسكر الشرقي” نفسها تزن مصالحها الاقتصادية “ببيض النمل” (بتعبير ف. لينين).

-محدودية القدرات الرأسمالية الفيتنامية: فرغم التقدم الذي يعرفه الاقتصاد الفيتنامي، إلا أنه يبقى محدودا بموقعه في التقسيم الحالي للرأسمالات. ولا أدل على ذلك من ترتيب الاقتصاد الفيتنامي عالميا (الرتبة 35) وآسيويا (الرتبة). القطاعات الكبرى في إفريقيا تحتاج استثمارات كبرى كالتي توفرها دول مثل أمريكا أو الصين، كما تحتاج إمكانيات ومعدات كافية كالتي لدى الصين أو تلك التي تستعد أمريكا لتوفيرها. هل يحكم هذا بانحسار الدور الفيتنامي في إفريقيا؟ ليس انحسارا دائما وخالدا، لكنه يتحدد بمدى قدرة الرأسمال الفيتنامي على: تطوير قوى إنتاج قادرة على منافسة قوى إنتاج الرأسمالات الكبرى من جهة، ووتحسين موقعها في “التقسيم الدولي للعمل” من جهة أخرى.

-نظام التأميم الفيتنامي: حيث أن كل الشركات المستثمرة خارج فيتنام مملوكة للدولة، ومنها الشركات المستثمرة في إفريقيا من قبيل “PetroVietnam” وFPT” و”Viettel”. هذا التأميم بقدر ما يضبط حركة الرأسمال في الداخل والخارج، بقدر ما يحدّ من نجاعة هذه الحركة وإمكاناتها الكبيرة في تطوير قوى الإنتاج. في حين أن الاستثمارات الكبرى تحتاج إلى رأسمالات كبرى بقدر نسبي من حرية الحركة التي لا تشترط ملكية الدولة في ضبط رأسمالها بالضرورة. هناك طرق أخرى للضبط، تعتمدها الصين مثلا، دون أن تحد من نجاعة الرأسمال ومسؤوليته على ملكيته الخاصة.

-علاقات الدول الإفريقية بالصين: إذ من شأن هذه العلاقات أن تعيق التسرب الفيتنامي إلى عدد من القطاعات الإفريقية، فالصين توفرها على سبيل الربح، كما قد توفرها على سبيل مواجهة فيتنام اقتصاديا خارج حدودها. بهذه الكيفية تتحول الاستثمارات في الخارج إلى وسيلة من وسائل الضغط الصينية على الفيتنام، لتصبح أمام اختيارين: إما التنازل للصين في هذا الملف أو ذاك، أو البحث عن منافذ جديدة بعيدا عن الضغط الصيني. فيتنام أيضا قد تلعب أدوارا ضد السياسات الاقتصادية لبكين في إفريقيا، وقد يتم إسنادها من قبل الأمريكي في ذلك. فمعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية نقيض أساسي للصين، وهو ما قد تستثمره فيتنام لمصلحتها.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض